هبوط آدم من الجنة إلى الأرض

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»  اقتضت إرادة الله تعالى أن جعل في كوكب الأرض مقومات للحياة. ووفر فيه سبحانه وتعالى جميع عناصر الحياة الأساسية للكائنات الحية، من انسان ونبات وحيوانات. يُطلعنا القرآن الكريم على بعض أسرار الخلق. منها اخبار الله تعالى ملائكته بأنه سيجعل في كوكب الأرض خليفة من الإنسان ليُؤسس على سطحها حضارة انسانية. منح القرآن الكريم مساحة كبيرة بخصوص قضية خلق آدم عليه السلام، والمراحل التي مر بها. ومن هذه المرحلة، مرحلة التراب. قال تعالى: « إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ » ال عمران: 59. المرحلة الثانية مرحلة الطين. قال تعالى: « الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ » السجدة: 7. والمرحلة الثالثة مرحلة الصلصال. قال الله تعالى: « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » الحجر: 26. عندما ننظر إلى أنفسنا، ونتأمل في الحياة التي تسري في خلايا أجسامنا والتي تجعلنا قادرين على التفكير والكلام والحركة ندرك معنى كمال قدرة الله تعالى، وتمام حكمته. فمن فهم معنى قدرة الله تعالى، وترسخت عظمة قدرة الله تعالى في قرارة نفسه، تنفتح له آفاق في تلمُّس أسرار الخلق، وما يجري فيه من حركة وسكون.

قد يتبادر الى ذهن كثير من الناس السؤال التالي: هل خلق الله تعالى آدم ابتداء ليعيش على الأرض أم أنه خُلق ليعيش في الجنة، وأنه طرد منها عقابا له بسبب مخالفته لأمر الله تعالى، حيث أكل من الشجرة التي نهاه الله تعالى أن يقترب منها، كما قد يفهم من ظاهر قوله تعالى: « وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ » البقرة: 35. يتبين من مجمل الآيات القرآنية أن آدم عليه السلام خلق ليكون أول مؤسس للحضارة الإنسانية على الأرض، وليكون هو وذريته خليفة لله تعالى على الأرض. وذلك مصداقا لقوله تعالى: « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً » البقرة: 30. أما وجوده في الجنة كان بمثابة مرحلة تأهيلية وتعليمية، وتعرف على مخلوقات ملكوت السموات، واستعداده للقيام بدور الخلافة على الأرض. لما تهيأت اسباب الحياة على الأرض، هبط آدم عليه السلام إلى الأرض بأمر من الله تعالى ليقوم بواجب الخلافة. إن عقيدتنا الإسلامية ترى أن هبوط آدم عليه السلام من الجنة ليس عقابا له، ولا طردا من رحمته كما طرد إبليس، حيثإن الله تعالى قبل توبة آدم عليه السلام وعفى عما صدر منه. قال الله تعالى: « فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » البقرة: 37. وروى ابن ماجه أن سيدنا رسول الله ﷺ قال: « التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ». ويقول الله عز وجل تأكيدا على ما نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: « إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا»الفرقان: 70. سبحان ربنا ما أعظمه من خالق، وما أكرمه من كريم، وما أرحمه من رحيم، يخطئ المخطئ، ثم يأتي ربه تائبا، فلا يقابله بالمغفرة فحسب، بل يبدل أيضا سيئاتهم إلى حسنات.سلف ذكره، أنه سبحانه وتعالى يبدل سيئات المذنب التائب إلى حسنات.

لقد احتفى الله تعالى بآدم عليه السلام، وأقام له تكريما إلاهيا، حضره جموع من الملائكة. ومن أحسن مظاهر ذلك التكريم هو أن الله سبحانه وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، فسجدت الملائكة لآدم سجود تشريف وتكريم، إلا إبليس امتنع عن السجود غرورا واستكبارا. حيث قال: « قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»الأعراف: 12. إن التكبر أعمى بصيرة إبليس،  فمن أين أتى أن النار أفضل من الطين حتى تكون له الأفضلية على آدم عليه السلام. يخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم عن بعض مظاهر تكريم أبي البشرية: « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ » الحجر: 28 ـ 30. يتجلى تكريم الله تعالى لآدم عليه السلام أنه خلقه بيده، وخلقه في أحسن هيئة، ونفح فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له المظاهر الكونية لتكون له عونا في أداء مهام الخلافة على الأرض

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية