نعيم الجنة

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

 معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله،«واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

إن الله تعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة، يقتطف الإنسان في الآخرة ما قدمه في الدنيا من العبادة لله تعالى وأعمال البر، فنحو الجنة يسعى الصالحون، ومن أجلها يتنافس المتقون، ولمثلها يجتهد المجتهدون. فالجنة هي موطن الأتقياء، ودار أولياء الرحمن، ومنازل السعداء. قال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ .وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَالزمر: 73 – 74. فالجنة هي مأوى المؤمنين والمؤمنات الذين صدقت قلوبهم بالإيمان، وحسنت نياتهم بالإخلاص، وصفت نفوسهم من الحقد، وطهرت عقولهم من الشرك والخرفات، وسلمت جوارحهم من المعاصي والإعتداء على كرامة الناس. ومن أعظم نعيم الجنة هو رؤية المؤمنين والمؤمنات لربهم تبارك وتعالى في الجنة. قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ القيامة: 22 – 23. وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا، الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ » ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:  لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَمسلم. فأهل الجنة يتنعمون بنعم الله تعالى ولا يبتئسون أبدا، ولا تبلى ثيابُهم، ولا يفنى شبابُهم، نعيم من غير كد، وسعادة من غير بؤس. وهذا ما أخبرنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: « مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ» مسلم

لقد وعد الله المؤمنين والمؤمنات بجنة تربتها طيبة، ماؤها عذب، هواؤها نسيم، ونعيمها دائم. يصف الله تبارك وتعالى في الآية التالية بعض نعم الجنة. يقول تعالى:  مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ الرعد: 35. لقد شغلت الجنة عقول الصحابة رضوان الله  عليهم، وكانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو هريرة رضي الله عنه: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ قَالَ ‏”‏ مِنَ الْمَاءِ ‏”‏ ‏.‏ قُلْنَا الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ ‏”‏ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ وَلاَ يَبْأَسْ وَيُخَلَّدْ وَلاَ يَمُوتْ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ» الترمذي. إن في الجنة درجات ومقامات، فبقدر اخلاص المرء في العبادة لله تعالى، ونقاء سريرته، وصفاء قلبه، وبقدر نفعه للناس تكون درجته في الجنة. قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ الأحقاف: 19. ويحدد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد درجات الجنة بقوله: « فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاَهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ» الترمذي.   يخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم أن في الجنة عيون كثيرة مختلفة المطعم والمشرب، منها عين الكفور، وعين التسنيم، وعين الزنجبيل وغيرها. قال تعالى عن عين الكافور:  إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًاالإنسان: 5-6. وقال تعالى مخبرا عن عين التنسيم: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ. تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ. يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ. خِتَامُهُ مِسْكٌ. وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ. وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَالمطففين: 22-28. وقال تعالى عن عين الزنجبيل  وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً. عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً الإنسان: 17-18. ويصف سيدنا رسول الله في الحديث الآتي تفاصيل أحد أنهار الجنة. «الكَوْثرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثلْجِ» الترمذي.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

معشر الإخوة والأخوات:

إن الجنة كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم « نُورٌ يَتَلأْلأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ» ابن ماجه. ووصفها الله عز وجل بدار السلام. قال تعالى: وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍيونس: 25. وفي الحديث الصحيح « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ» ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَالسجدة: 17، البخاري. فبادر أيها المسلم وأيتها المسلمة بتقوية إيمانك بالله تعالى، والثقة به، والتزم بما فرض الله عليك من العبادات، فهي غذاء روحك، وتحلى بالسلوك الحسن، فإنه سبيلك إلى قلوب الناس، وكن نافعا لنفسك ولغيرك، لعلك تكن من الذين قال الله تعالى في حقهم: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَالأنبياء: 103. إن الحديث عن الجنة يطول ويطول والمناسبة لا تسمح لسرد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في وصف الجنة وذكر نعيمها، لذلك أذكر الحديث التالي الذي يصف لنا الجنة بكلام جامع شامل. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ » مسلم.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية