مقاصد صيام رمضان

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين» 

شرع الله تعالى الصيام لتحقيق مقاصد سامية تملأ العقول حكمة، والقلوب صفاء، والأرواح غذاء. يغذي الصيام روح الفرد والمجتمع على السواء، ويؤثر فيهما بشكل إيجابي روحيا وخلقيا وعقليا وجسديا. إن ربط العبادات بمقاصدها ومحاسنا هي من تمام الفقه. حيث تساعد معرفة مقاصد الصيام على الإستفادة من ثمراته. إن الله عز وجل لم يشرع الصيام في المقام الأول من أجل امتحاننا عن الإمتناع عن ملذات الحياة، ولم يشرعه كنظام غذائي لنخفف به نسبة الدهون من أجسادنا، أو نقلل به من كثرة السمنة، وإنما شرعه بادرجة الأولى لتحقيق مقاصد عليا تنفعنا في دنينا وأخرانا. كما قال الله تعالى في كتابه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.» البقرة: 183. فتحقيق التقوى هي أول مقصد تربوي أراده الله سبحانه وتعالى من فريضة الصيام. من المعلوم أن المقاصد التربوية من أهم ما اعتنى به القرآن الكريم، وهي أجل ما جاء من أجلها. إن معرفة المقاصد التربوية للصيام تجعل العقول تقتنع بهذه الشعيرة التعبدية، والنفوس تطمئن لها، فتنقاد لها حبا لا قهرا. في هذا السياق قال سيدنا محمد ﷺ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» البخاري. وكلنا يشهد إقبال المسلمين في رمضان على طاعة ربهم، وعلى تعظيم فعل الفضائل. إن النظر إلى عبادة الصيام على أنها خضوع لله تعالى يجعل المسلم والمسلمة يتذوق صيام رمضان كمصدر للقوة الروحية. إن الإخلاص لله تعالى هو الذي يبعد الصيام من كونه مجرد طقوس، لأن يكون عبادة وجدانية تتصل فيها روح الصائم بالله سبحانه وتعالى. يدرك المتأمل في كتاب الله عز وجل أن التقوى هي سبب كل خير في الدنيا والآخرة. التقوى هي سبيل الفوز بمعية الله تعالى التي تفتح أبواب الفرج والبركة. قال الله تعالى: « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» الأعراف: 96.

المقصد الثاني للصيام هو تقوية الإراة والعزيمة: خلق الله عز وجل في كل إنسان إرادة وعزيمة التي تدفعه قدما نحو تحقيق الأهداف النبيلة. إن الإرادة الصادقة هي الدافع الرئيسي إلى إحداث التغيير في حياتنا، وهي أساس كل نجاح. قال الله تعالى. «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» الرعد: 11. يزودنا صيام رمضان بأهم الطاقات الروحية التي تساعدنا على تقوية الإرادة والعزيمة التي نحملها في وجداننا. من خلال الصيام نروض أنفسنا على مواجهة ملذات الحياة. إن حبس النفس عن الطعام والشراب طوال اليوم يجعلنا نملك زمام أنفسنا، وندرك نقاط قوتنا وضعفنا. إذا أصبحت الإرادة الصادقة سلوكا وهديا في حياتنا، فإن ذلك كفيل بأن نحدث التغيير النافع في أنفسنا وبالتالي في مجتمعنا. تعتبر الإرادة أحد الصفات الشخصية المهمة التي تؤثر بشكل كبير على تحقيق النجاح في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: « تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلذينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً في الأرضِ وَلا فَسَاداً والعاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ» القصص: 83. ويؤكد سيدنا محمد  ﷺ على مقصد تقوية الإرادة والعزيمة بقوله: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» البخاري. وقال المتنبي رحمه الله تعالى:

   على قدرِ أهلِ العَزمِ تأتي العَزائِمُ     وتأتي على قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وتَعظُمُ في عينِ الصَّغيرِ صِـــغارُها   وتَصغُرُ في عينِ العَظِيمِ العَظائمُ

المقصد الثالث للصيام هو ترويض النفس على الصبر. فالنفس بحاجة إلى ترويض مستمر على الصبر بالإمتناع عما يجب الإمتناع عنه، وفعل ما يلزم فعله. ولقد سمى سيدنا محمد ﷺ شهر رمضان بشهر الصبر. حيث إن ترويض أنفسنا على الجد والإجتهاد، وعقولنا على التفكير والتأمل تجعل إرادتنا إرادة لا تقهر. فشعيرة الصيام شعيرة روحية تنمي الحس الإصلاحي والخيري لدى الصائم والصائمة. في ظلال شهر رمضان يتربى المسلم والمسلمة على سلامة الصدر وطهارة القلب. فالصيام تربية عملية على الإخلاص والإحسان والصدق والحلم والتواضع والحمية والتسامح والأمانة. يؤكد سيدنا محمد ﷺ على هذا المقصد بقوله: « إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ » مسلم. يسلك الصائم والصائمة في هذا الشهر المبارك مسالك الفضيلة شهرا كاملا. بذلك يهبُ الله سبحانه وتعالى للصائم والصائمة سعةً في النَّفس، فيترقى بها في مدارج الصابرين والصابرات. يؤكد سيدنا محمد ﷺ أن «الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ » الترميذي.

المقصد الرابع للصيام هو التغذية الروحية. تعطي الروح للجسد الحياة التي ينتعش بها، فتغذية الروح تؤثر إيجابيا على صحة الجسد، وتجعل فيه حيوية ونشاطا. وفي هذا السياق يقول الله تعالى: «يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ » الأنفال: 24. إنها دعوة إلى تغذية أرواحنا بطاعة الله عز وجل، وتحرير أنفسنا من طاعة أهوائنا. إنها دعوة إلى عقيدة تنور عقولنا، وتحررها من أوهام الخرافة، إنها دعوة إلى التمسك بشريعة الله، والتحرر من شريعة المستبدين، يحمل شهر رمضان في طيَّاته معانية روحانية سامية، فهو شهر الصيام والقيام، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتضاعف فيه الحسنات، وتجاب فيه الدعوات.

المقصد الخامس للصيام هو تنقية الجسم من مسببات الأمراض. كما أن لصيام رمضان مزايا روحية، له أيضا مزايا صحية مذهلة، فصيام رمضان يساعد الجسم على التخلص من السموم. ثانيا يحفز الصوم استعمال الغلوكوز كمصدر لطاقة الجسم، وهذه العملية تقلل من نسبة السكر يات في الدم. ثالثا عندما يفقد الجسم مصدر الطاقة، يبدأ يبحث عن البديل، فيستعمل الدهون المخزونة في الجسم، فهذه العملية تساعد على تخفيض الدهون من الجسم. رابعا يحفز الصيام نشاط جهاز المناعة، فيتخلص الجسم من الخلايا التي لا يحتاجها، ويساعد على إنتاج خلايا جديدة مما يعمل على تقوية جهاز المناعة. خامسا كذلك يساعد الصيام على التغلب على مشكلة الإدمان. في هذا السياق قال سيدنا محمد ﷺ: « الصِّيَامُ جُنَّةٌ» مسلم. فشهر رمضان وقاية وفرصة ثمينة لتغيير العادات السيئة إلى عادات مفيدة للجسم والعقل والروح.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية