دلائل القرآن الكريم

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

لقد اهتم القرآن الكريم بمكانة العلم، وشكل منذ بداياته الأولى إطارا مميزا. فهو لم يفرق بين ما هو ديني ودنيوي، ولا ماهو روحي ومادي. بل يشمل كل مواضيع الحياة الدنيا والآخرة. يدعو الإسلام إلى العلم النافع الذي يبني الحضارة الإنسانية، والذي به يستطيع الإنسان السير في دروب الحياة، والخروج من ظلمات الجهل إلى أنوار المعرفة. إن أول آية لامست قلب سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، هي آية تحث على القراءة والعلم. قال الله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» العلق: 1-5. بالعلم يرتقي االإنسان، ويعلو مجده بين الناس. بفضل العلم كرم الله العلماء وجعلهم من الشهود الذين يشهدون على وحدانيته. قال تعالى:«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ »آل عمران: 18. كان أسلافنا معظمين للعلم والعلماء وبذلك نبغوا في كسب العلوم كلها: الشرعية منها والكونية. كان المسلمون خير حلقة لحفظ العلوم وتطويرها. يوم كان العلماء يطاردون ويشردون في أماكن كثيرة من العالم، قام العلماء المسلمون بجمع تراث المعرفة الإغريقية، وترجمته وحفظه حتى رجع إلى الغرب مرة أخرى.

معشر الإخوة والأخوات:

في ظل دراسة القرآن والبحث عن تحديد أوقات الصلاة، واتجاه القبلة، وبداية الشهور القمرية  اختر جابر بن حيان علم الجبر (721 – 815 م) ، ومن بعده محمد بن موسى الخوارزمي (781 – 847 م)، واخترع جابر بن أفلح الاشبيلي (1100 – 1150 م) جهازاً يعتبر من أوائل أجهزة الرصد للأجرام السماوية، وظهر الطبيب الماهر ابن سنا (980 – 1037 م)، وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب الذي ظل سبعة قرون المرجع الأساسي في علم الطب، وبقي هذا الكتاب العمدة في تعليم الطب حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوربا. في ظل الإسلام تمت المباحث الروحية والنفسية والفلسفية والفلكية. في الحضارة التي أنشأها القرآن تم استعمال العقل والفكر في الإسدلال على وجود الله تعالى، ودراسة النفس البشرية، والظواهر الطبيعية. قال الله تعالى: « وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ » الذاريات: 20-21. بين الله تعالى أن السير في الأرض مع النظر والتفكر هو طريق المعرفة. قال تعالى: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»العنكبوت:20. هكذا يدعوا القرآن الكريم إلى التدبر في الخلق، حتى تتفتح عيون وعقول المتدبرين، وتتسع مداركهم، ويعرفون الحق الذي ينور بصائرهم بالعلم، وقلوبهم بالإيمان بالله تعالى تعالى.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما  بعد:

معشر الإخوة والأخوات:

إن العلم بأسرار الكون يجعل صاحبه يسموا في درجات الإيمان. عندما تنكشف للعالم أسرار سير النجوم في أفلاكها، ودقة تركيب أعضاء الإنسان، لا يستطيع إلا أن يخضع لعظمة الله تعالى. «إِنَّما يَخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ» فاطر: 28. فالعلماء المنصفون يعرفون الله عن طريق البراهين في الكون، فيرفع الله قدرهم في المهديين ومكانتهم في الغابرين. قال الله تعالى: «يرْفعِ اللهُ الذينَ آمَنُوا مِنكمْ والذينَ أوتوا العلْمَ دَرجات»المجادلة: 11. نجد في القرآن الكريم آيات تتحدث عن طبقات الأرض، وآيات تحدث عن علم الأجنة وآيات تخبرنا عن نظام الكون وعلم الإجتماع. حينما أوعى المسلمون الأوائل مقاصد القرآن، طفقوا يبحثون في علوم الكون، علويه وسفليه، وعلوم أخرى استجابة لقول الحق تبارك وتعالى: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ» العنكبوت:20. لمكانة العلم في الإسلام نجد أن الله سبحانه وتعالى يقرِن في كثير من آيات القرآن بين العلم والإيمان. حيث أن الإيمان يغذي القلب، والعلم يغذي العقول. فبذلك يجدد الإنسان طاقته، ويبعث في نفسه الطمأنينة، ويقوي بذلك إرادته، وصدق عزيمته.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية