تحرير العقل من التقليد الأعمى

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

عندما نتحدث عن تحرير فكر الإنسان من الخرافة وإرادته من التقليد الأعمى، يجب أن نضع في الاعتبار أن الله عز وجل ما أنزل القرآن الكريم، وبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليحرر الإنسان من قيود الحجر، وطاعة الأهواء، والانقياد الأعمى. ما أنزل الله عز وجل الكتاب، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا لينور العقول بنور العلم، والقلوب بنور الإيمان. مقصد القرآن الكريم هو تحرير الإنسان من سيطرة التبعية العمياء ليستقيم تفكيره، وتكتمل شخصيته الإنسانية. بذلك يرتقي في قيمه ومبادئه، ويزدهر في حياته الإجتماعية. يستنهض القرآن الكريم العقول، ويوقظ الحواس، وينبه المشاعر، حتى لا يغرر بأحد من  الناس. لقد حضر الله تعالى من المتاجرين بالإسلام، وانتحال حق التحليل والتحريم إرضاء لأسيادهم، أو رغبة في تحقيق مصالحهم الدنيوية. قال الله تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ» البقرة: 79. لقد نوه الله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم بأصحاب العقول الواعية، المتحررة من التبعية، والتقليد الأعمى. في سورة الروم يقول الله تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»24، وفي سورة الرعد يقول تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ »3،  وفي سورة طه يقول تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى» 54، وفي سورة يونس يقول تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» 67، وفي سورة الرعد يقول تعالى: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ» 19. تأمل أخي المسلم وأختي في الكلمات القرآنية يعقلون، يتفكرون، أولي النهى، يسمعون، وأولي الألباب، كلمات لهم علاقة وطيدة بالعقل. إن إسلامنا يدعوا البشرية جميعا إلى كلمة الحق، التي هي جوهر الخير الذي يقبله كل ذي قلب سليم، وعقل رشيد.

ان الإنسان المحروم اجتماعيا، والمهزوم نفسيا يعتبر صالحا لتغذية فكره بالتبعية لكل فكر منحرف. إن في كل مجتمع يوجد أناس لديهم اجندات ومخططات. يلعبون على وتر المتناقضات المذهبية، ويفسرون الدين انطلاقا من قاعدة المصلحة التي يمثلونها. يستغلون في ذلك حسن نية المخلصين لدينهم، وأوضاعهم الإجتماعية. إن التقليد الأعمى لشخص معين أكبر شر ابتلي به المسلمون. المقلَّد يحمل أتباعه على التعصب ومعادات الآخرين، ويضفي على أفكاره قداسة تستحوذ على عواطف الناس، وتصرفهم عن التفكير السليم كأنهم عبيده. فالعبودية في هذا الزمان هي عبودية الفكر، وهي أن يفقد الإنسان حريته، ويصير فكره بيد غيره، حيث يأمره فيأتمر، وينهاه فينتهي، ولو كان ما أُمر به وما نُهي عنه في غير مصلحته، ومَهين لآدميته وكرامته. لقد حذر الله تعالى من تقديس أراء البشر، حيث قال سبحانه وتعالى اخبارا عن الأمم السابقة: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» التوبة: 31. «سئل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن قوله تعالى: «اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» أكانوا يعبدونهم؟ قال: لا، كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه «الطبري. فتبصر أيها المسلم وأيتها المسلمة، وكن فطنا واقتد بالمذاهب الإسلامية المعروفة التي نقلت إلينا هذا الدين العظيم جيل عن جيل، الذي بني على التيسير في الفروع والتشديد في الأصول. ترى بعض الناس يتشددون في نكران قراءة القرآن جماعة، ولكنهم يتساهلون في الغيبة والإساءة الى من يخالفهم في فرع من فروع الدين. لقد مدح الله عز وجل الناقد البصير، المتبع لأحسن الأقوال، والمتحلي بأحسن السلوك. قال تعالى: «فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ» الزمر: 18.

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما  بعد:

معشر الإخوة والأخوات:

يجب على المسلم أن يستمع لكل الأقوال والآراء، فيحدد بعد ذلك القول الحسن، والرأي السديد. فالمرحلة الأولى هي الإستماع، والثانية هي تحديد مرتبة القول، والثالثة هي الخضوع للقول الأحسن. فيجب أن نفرق بين التقليد لمذهب معين وبين التقليد لشخص. من أهم العوامل التي تساعد المسلم على اختيار القول الحسن هو فهم غالبية الأجيال السابقة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا للإسلام. قال ابن مسعود رضي الله عنه: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» المقاصد الحسنة. إن التقليد الأعمى لبعض الأشخاص هو الذي شتت شمل جماعة المسلمين، وجعلهم فرقا وأحزابا. لقد تحولت ثقافة المسلمين إلى تقديس بعض المشايخ والمشعوذون. إنك أيها المسلم لك الخيار في أن توجه سعيك إلى أهداف إجابية بناءة سامية أو أن تتراجع إلى حياة الوهم والحجر والإحباط.. فاكبح جماح الإيحاءات التي يطلقها بعض الناس تجاهك، واستمع إلى غيرهم من العلماء حتى تستطيع أن توسع مداركك، وتعرف أفاق دينا الحنيف. فإذا تمعنت في كل ما يقال، تجد أن أغلبها شكل من أشكال غسل الأدمغة، ومحاولة السيطرة على عقلولنا. وكل هذا يتم باسم الإسلام، وباسم الكتاب والسنة. والهدف هو أن يجعلنا نفكر ونتصرف مثلما يريده، وبالوسائل التي تحقق مصالحه. قال الله تعالى: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ» الأنبياء: 92-94.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية