الحج رياضة روحية تهذب نفس الحاج

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، وبها ترفع الدرجات، وبها يرتقي الإنسان عن الهفوات، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

لقد دار فلك الزمان، وأظلنا موسم جديد من مواسم الله تعالى، ألا وهو موسم الحج، حيث نرى نفوس المسلمين يتحرك فيها نوازع الشوق لاستجابة نداء الرحمن، لزيارة بيت الله الحرام. قال الله تعالى في كتابه الكريم : «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ» الحج:27 .قال ابن عباس رضي الله عنه: «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ ، قَالَ : رَبِّ قَدْ فَرَغْتُ ، فَقَالَ: أَذِّنِ النَّاسَ بِالْحَجِّ ، قَالَ : رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي ؟ قَالَ : أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلاغُ ، قَالَ : رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ ، حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَلا تَرَى أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ يُلَبُّونَ ؟» الحاكم. «فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس! إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة، ويجيركم من عذاب النار، فحجوا؛ فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك» القرطبي. وقد ورد في السنة النبوية الشريفة أن الحكمة من مناسك الحج هو اقامة ذكر الله تعالى، حيث قال صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْىُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» أبو داود. وأعمال الحج هو بمثابة رياضة روحية تهذب النفس، مثلما تهذب الرياضة البدنية البدن، لذلك فإن الحاج بعد حجه يتذكر رمي الجمرات بمثابة اعلان الحرب على الشيطان، فلا يستجيب بعد ذلك لوسوسته وإغرئاته، والحج المبرور تظهر آثاره في سلوك الحاج ومعاملاته. أراد الله سبحانه وتعالى بقصة إبراهيم وإسماعيل مع إبليس أن يحذرنا من تضليل الشيطان وأهله. فلا بد معشر الإخوة والأخوات أن نرجم الشيطان رجما معنويا فلا نترك له مدخلا لوسوسته واغراءاته.

فعلى الحاج ان يفهم الحج فهما صحيحا شاملا، ويدرك مراميه وغاياته. ومن يدرس فلسفة الحج في الإسلام بتدبر وتأمل دقيق، يدرك أن للعبادة في الإسلام على العموم مقاصد وغايات، وليس العبرة في الحج بكثرة الذهاب والإياب، ولكن العبرة بالأثر الذي يتركه في سلوكياتنا وتصرفاتنا. إن من مقاصد الحج تعظيم حرمات الله: « ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ» الحج: 30. إن من سعة رحمة الله تعالى، وفضله على عباده، أنه جعل الحج كله مواطن ذكر وتأمل ودعاء، فحث سبحانه المؤمنين والمؤمنات على الذكر والدعاء. قال تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ» الحج 020. كل ذلك لتتحقق الطمأنينة في قلب الحاج، ولتظهر ملامح السكينة في أقواله وأفعاله. كما قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الرعد 28. فما أعظمها من نعمة حينما يعتاد لسان المؤمن والمؤمنة على دوام ذكر الله عز وجل، وعلى طاعته. لقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين الصادقين بقوله: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ » ال عمران: 191. ان أداء فريضة الحج بمعانيها الروحانية وغاياتها السامية، يتحلى صاحبها بالقدر الأوفى من الشمائل النبيلة والمثل العليا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

ففي الحج تتجلى معنى العبودية لله تعالى بشكل واضح؛ فتجد الحاج متذللا، خاضعا منكسرا بين يدي مولاه، وهو متجرد من مباهج الحياة الدُّنيا، غنيُّ وفقير، حاكم ومحكوم، عالم ومتعلم، كلُّهم سواءٌ لا يتفاضل بعضهم على بعض. فالحج باب واسع للخَيرات والثواب، وفيه يتنافس المؤمنون والمؤمنات على فعلِ الطاعات، التي هي زادٌ للآخرةِ، يقولُ الله تبارك وتعالى: «وَتَزَوَّدُوا فإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى« البقرة .297 إخوة الإيمان: مما ينبغي على من عزم على الحج أولاً: المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام، لقوله تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» النور: 31. ثانيا: يجب على الحاج أن يقصد بحجه وجه الله والتقرب إليه بما يرضيه من الأقوال والأفعال. ثالثا: مصاريف الحج يجب أن تكون من مال مبارك طيب حلال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا» مسلم. فالأموال التي تكتسب من الحرام كالربا والغش والخداع والقمار والكذب والزور لا يقبل الله من صاحبها حجاً ولا زكاة ولا صدقة. رابعا:إذا عزم المسلم على الحج فينبغي له أن يتعلم كيفية الحج. فللج أركان، وواجبات ومستحبات، إذ لا يصح الحج ولا يكون حجا مبرورا إلا بهم. خامسا: اختيار الرفقة الصالحة التي تعينه على أداء مناسك الحج على وجهها الصحيح، وتبعده عن محظورات الحج.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية