الحج دروس وعبر

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، وبها ترفع الدرجات، وبها يرتقي الإنسان عن الهفوات، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

تعيش الأمة الإسلامية في هذه الأيام المباركة أياما عظيمة، وفضلها عند الله كبير، ألا وهي أيام الحج. إن الحجّ مؤتمرإسلامي عالمي يحتوي على دروس ذي أهمية بالغة للبشرية كلها، وهو بمثابة مدرسة تربّي الإنسانية على أسس الحياة، وتعظيم حرمات الله، وحرمات العباد، قال تعالى: « ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ»الحج:30. يغرس الحج في النفوس احترام حقوق الناس، لتقوم في الأرض حياة تحكمها العدالة والأخوة، حياة يجد فيها كل مخلوق الحياة الطيبة. يحدد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذه المعالم الأساسية في خطبته المعروفة بخطبة حجة الوداع التي ألقاها يوم عرفة،: ومما قاله صلى الله عليه وسلم: « إن دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا». في اليوم الثامن من ذي الحجة ينظف الحجاج ابدانهم ويطهرونها، ويلبسون لباس الإحرام، ثم يقولون لبيك اللهم حجا. فالدرس المستفاد من لباس الإحرام هو الزهد، حيث يتجرد الحاج من كل مخيط، ومن لباسه المحبوبة إليه، فيلبس رداء وإزارا الذي يشبه الكفن. يمتنع الحاج بعد الإحرام بالحج عن قص شيئا من شعره أو حلقه، وعن تقليم أظافره، ويتجرد من متاع الدنيا وملذاتها. إن الحج مثالا ونموذجا للزهد في متاع الدنيا والتطلع الى حياة الآخرة. قال الله تعالى: « قلْ متاعُ الدنيا قليلٌ والآخرةُ خيرٌ لِمَنْ اتقى» النساء: 77.

يتوجه الحجاج في اليوم الثامن من ذي الحجة الى منى وتعلوا أصواتهم بالتلبية. « لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك». فيبيت الحجاج في منى، فيصلى فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة، اليوم التاسع من ذي الحجة. معشر الإخوة والأخوات على المسلم أن يستحضر ما تدلَّ عليه التلبية من معنى، وما تتضمنه من دلالات، عليه أن يعيها و يطبقها في حياته اليومية. إن محاور الحج تدورعلى توحيد الله والتوجه اليه سبحانه وتعالى. فلا نتوجه بالسؤال إلا إلى الله، ولا نستغيث إلا به، ولا نتوكل إلا عليه. إن توحيد الله جل وعلا هو اساس لتحقيق الأمن والسلام في حياتنا، وتساعدنا على العيش وفق ما يرضي الله تعالى. قال الله تعالى: « الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ» الأنعام: 82. بعد طلوع الشمس من يوم التاسع من ذي الحجة يتوجه الحجاج إلى عرفة والتلبية زادهم، ورضوان الله مقصدهم، واستجابة الدعاء رغبتهم. ففي مشعرعرفات حيث يعيش الحجاج أجواء روحانية عبقة، ونفحات إيمانية مباركة، وفيها يصلي الحجاج الظهر والعصر جمع تقديم. في هذا الوقت والزمان فرصة للدعاء والإبتهال إلى الله، قد هيأ الله للحاج من أسباب قبول دعائهم، حيث جمع لهم شرف الزمان “أشهر الحرم” وشرف المكان “بيت الله الحرام، منى، عرفات، مشعر الحرام والجمرات” ثم الحال الذي عليه الحاج من خشوع وخضوع لله تعالى.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

معشر الإخوة والأخوات:

وبعد غروب الشمس من يوم عرفة يتوجه الحجيج الى المزدلفة، حيث يوجد المشعر الحرام، وينطلق الحاج ملبيا «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» وعلامات السكينة والوقار تغشاهم من كل جانب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: « أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ» البخاري. إن الهدوء والسكينة، وعدم الاستعجال هو الطريق الأمثل لكل نجاح، والسبيل الأنجع للحياة الهادئة. فعلينا معشر الإخوة والأخوات أن نلتزم التأني في أمورنا الدنيوية والأخروية. فالتأني منهج رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم سواء في تعبده أو معاملاته، قال صلى الله عليه وسلم تنبيها عن عدم الإستعجال: « يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي » البخاري. يصلي الحجاج في المزدلفة صلاة المغرب والعشاء جمع تأخير، ثم يذكرون الله ويسبحونه استجابة لقوله تعالى: « فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ.» البقرة: 198 – 200. وفي صبيحة يوم العاشر من ذي الحجة يتجه الحجاج إلى منى، حيث الجمرات لرمي جمرة العقبة الكبرى سبعة حصيات، ثم يذبح من كان قارنا أو متمتعا هديه، ثم يقص شعر رأسه، أو يحلقه، وبالنسبة للمرأة تقص شيئا من شعرها قدر أنملة، ، بعد هذه الأعمال الثلاث (الرمي والذبح والحلق) يتحلل الحاج التحلل الأول، وبإمكانه أن يذهب الحاج في نفس اليوم إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا، أما القارن والمفرد فلا سعي عليهما بعد طواف الإفاضة إن كان قد سعى بعد طواف القدوم، وبهذا يتحلل الحاج التحلل التام، وللحاج أن يؤخر الطواف والسعي إلى ما بعد يوم النحر. بعد الطواف الإفاضة يرجع الحاج إلى منى، فيبيت بها ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، وإن أراد بات فيها أيضا ليلة الثالث عشر، وفي كل يرمي الجمرات الثلاث.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية