أهمية الصلاة في حياة المسلم

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله،«واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

إن المجتمع المعاصر يفتقر إلى الهدوء النفسي، والتوازن الوجداني، فالحياة المعاصرة عبارة عن بحر متلاطم الأمواج يحتاج فيه الإنسان إلى الإيمان بالله تعالى، كي يساعده على توجيهه نحو الأمن الروحي والعقلي والبدني. إن من تاه في سراديب المادة، وغرق في وسط هموم الحياة،وربما سقط أسيرا في هاوية غرائزه، يؤثر ذلك على استقراره النفسي والبدني والفكري والأخلاقي، وتبرز لديه الإضطرابات النفسية العنيفة، والأعراض الجسدية غير المبررة. إن القرآن الكريم دليل مكارم الأخلاق، ونظام الحياة الكريمة، لقد أعطى القرآن الكريم لهذه الأبعاد الثلاثة (الأمن النفسي والعقلي والبدني ) اهتماما كبيرا، تعد مسألة الأمن عموما مسألة أساسية لاستمرار الحياة. قال الله تعالى مخبرا عن قريش: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ قريش: 3. لتحقيق هذه الغاية شرع الله تعالى عبادات وعقائد ونظاما في السلوك تتميز بالسماحة واليسر والمرونة، ومن هذه العبادات التي شرعها الله تعالى لتهذيب النفس والسلوك الصلاة، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ البقرة: 45. للصلاة أثر كبير في تفريج هموم النفس، و وفي انشراح الصدر، وفي كسب رضا الله تعالى، وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بخير الأعمال، فقال: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة« ابن ماجه. وللوقوف بين يدي الله تعالى في الصلاة أسرار عظيمة في تقوية وظائف الإنسان الروحية والعقلية والبدنية، لذلك يطالب المسلم بأدائها في كل الأحوال سواء كان مريضا أوصحيحا، مسافرا أومقيما. قال الله تعالى:       ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ البقرة: 238.

شرع الله الصلاة في جميع الأديان السماوية، إلا أنها تختلف طريقة أدائها وعدد مراتبها بين شريعة وأخرى. قال الله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ إبراهيم: 40. وقال على سيدنا إسماعيل: ﴿ وَكَان يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ مريم: 55. وقال تعالى مخاطباً سيدنا موسى عليه السلام: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ طه: 14.وأوصى الله تعالى بالصلاة نبيه عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ﴾ مريم: 31. وفرض الله تعالى الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سبع سماوات ليلة الإسراء والمعراج خمسين صلاة، ثم خففها سبحانه وتعالى إلى خمس، فهي خمس في الأداء وخمسون في الثواب. إن الصلاة في الإسلام عبادة تزرع الأمل في النفوس، وتحطم أسوار اليأس، وتجعل الإنسان أكثر تحكما في انفعالاته، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ المعارج: 19- 22. ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوما فقال: »مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُرْهَانٌ وَلاَ نُورٌ وَلاَ نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَهَامَانَ وَفِرْعَوْنَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ« ابن حبان. فالصلاة في ديننا الحنيف خضوعٌ وخشوع، دعاءٌ وثناء، وتمجيد لله العليِّ العظيم، وتساعدنا الصلاة على إجاد إجوبة لأسئلة كثيرة داخل وخارج أنفسنا على حد سواء، وتقوية إيماننا بالله تعالى.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

إنّ التفريطَ في أمر الصلاة من أعظم أسبابِ الشَّقاءِ، شقاء في الدنيا وعِقابٌ في االآخرة، قال الله تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا ﴾ مريم: 59. وعد الله سبحانه وتعالى إضاعة الصلاة والتكاسل عن أدائها من صفات المنافقين ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى، يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ النساء: 142. فالصلاة غذاء للروح، ومرضاة لله، وطمأنينة للنفس، وقوة للعزيمة، فهي تطهر الإنسان من الذنوب، وتعوده على الإخلاص، والنظافة، والأناقة، كما تعوده على ضبط الوقت، وتقدير قيمته. قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ النساء: 103.ثم إن الصلاة ترقق قلب الإنسان، وتزكي نفسه من الحقد، وتحسن سلوكه مع الناس، فيخرج المسلم من الصلاة لين الكلام، رحيما بالضعفاء، بعيدا عن فعل المنكرات، فيصدق عليه قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ العنكبوت: 45. تعين الصلاة المسلم والمسلمة على التفكُّر والتَّدبُّر في ملكوتِ السَّموات والأرض، وتعزز لديه القرب من الرحمن، والبعد عن الشيطان، وهوى النفس. وتمنح الصلاة المسلم والمسلمة طاقة روحية، تؤدي به إلى اطمأنان النفس، وصفاء الذهن، وزيادة في ثواب الآخرة. قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون: 1-2.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية