آداب المسجد وفضائله

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله،«واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

إن المسجد بيت الله تعالى، وهي منبع نشر القيم الإنسانية، وتلقين الأخلاق وتنميتها في شخصية الناشئة. تبعث المسجد في النفس الطمأنينة والسكينة، فدعوة المسجد دعوة إصلاحية، تتناول تصحيح العقيدة، وتحرير العقول من الخرافة، وتقويم الأخلاق، وتزكية النفوس، لقد عَظَّم الله المسجد، وأعلى مكانتَها، ورسَّخَ في نفوس المؤمنين والمؤمنات قدسيتَها، فأضافها اللهُ تعالى إليه إضافةَ تشريفٍ وتكريم، فقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ الجن: 18. يحتل المسجد مرتبةً مميّزة في أفئدة المسلمين، ففيها يقيمون صلاتهم، ويتعلمون أمور دينهم ودنياهم، وفيها يلتقون ويتعارفون، ففيها يواسى المصاب، ويخفف عن المنكوب. إن النفوس إذا نزلت بها المصائب والهموم تزلزلت، تحتاج إلى من يثبتها، ويطعم روحها من القرآن الكريم، ويقوي رجاءها في الله تعالى. حث الإسلام على المواساة، ورغب فيها، وجعل لمن اتصف بها أجرا عظيما، وثوابا جزيلا، في المسجد يتسلل النور إلى النفوس، وتطمئن القلوب، وتنشرح الصدور، يجب على المسلم أن يعرف للمسجد حقه، وعلى روادها أن يحافظوا على آدابها، فلا يجوز لأحد أن يسئ الأدب في بيت الله، ولا أن يهتك حرمته، فلا مكان في المسجد للغوغاء والمشوشين، ينبغي لقاصد المسجد أن يحسن الطهور، ويظهر في أحسن مظهر،ويحرص على التطيب والابتعاد عن الروائح الكريهة، قال تعالى ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا ، ولِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» البخاري. ويستحب لداخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى، ويقول: « أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،بِسْمِ اللَّهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك» وإذا خرج أن يقدم رجله اليسرى، وليقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».

ذا دخل المسلم بيت الله تعالى ولم يكن وقت نهي عن الصلاة، صلى ركعتين تحية المسجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ»البخاري. والأوقات التي نهىالنبي صلى الله عليه وسلم صلاة النافلة فيها هي بعد صلاة الصبح والعصر، ووقت الظهيرة، لعموم حديث عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ الْجُهَنِيّ:«ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً، حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ، حَتَّى تَغْرُبَ» مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» البخاري، ومن الأوقات التي نُهي الصلاة فيها على الراجح،يوم الجمعة إذا صعد الإمام المنبر،لعموم قول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهَ:«جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:‏ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» أبو داود. ومن الأوقات المنهي عن صلاة النافلة فيها، إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، أما من شرع في صلاة النافلة، فليخفف في إتمامها، ولا يقطعها، فالله عزوجل نهى عن إبطال العبادة المشروعة فيها، قال تعالى:  ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ محمد:33. وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ﴾ البقرة: 196. فإذا انتهى من صلاة تحية المسجد جلس بأدب وسكينة يذكر الله عز وجل، فهو ضيف نزل بأكرم الأكرمين، وزائر حلّ على رب العالمين.عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:«إِنَّ بُـيُوتِي في أَرْضِي المساجِدُ، وإِنَّ زُوَّارِي فيها عُمَّارُها، فطُوبَى لِعَبْدِ تَطَهَّرَ في بَـيْتِهِ، ثم زَارَنِي في بَـيْتِي، فَحَقَّ عَلَى المَزُورِ أنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ» أبو نعيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما  بعد:

في مواقف يوم الآخرة، وأهوال مشاهدها، يوم تضطرب القلوب، وتخشع الأبصار ينعم زائر المسجد في ظل عرش الرحمن، آمنا مطمئنا،راضيا شاكرا لأنعم الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يومَ لاظِلَّ إِلا ظِلُّهُ : وعد منهم، ورَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمَسَاجد» متفق عليه. أعد الله للمؤمن النقي الطاهر ، الطيب الرحيم، العفيف السمح، المحب للمسجد نعيما مقيما، وفضلا عميما. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ. وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ. نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ الحجر: 45، 50. جعل الله المسجد مكانَ الصلاة والذكر، وميدانَ العلم والتعلم، ورياضَ المذاكرة والمراجعة. عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏«إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا‏.‏ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ: الْمَسَاجِدُ، وفي رواية: حِلَقُ الذِّكْرِ‏.‏ قُلْتُ وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ« الترمذي. يأوي المسلم إلى المسجد منقطعا عن صخب الحياة، ومتحررا من همومها، فيجد فيها مراتع رياض الجنة، ورياحين الفردوس.فتارة يجلس يذكر الله تعالى، حتى ترتقي نفسه إلى عالم الإطمئنان، فيصفو قلبه، وتنجلي همومه، وتارة يجلس لتلاوة القرآن الكريم، حتى تسمو روحه إلى عالم الصفاء واللطف، وتارة يجلس في مجلس وعظ،ينهل من منبع الحكمة، حتى تزكوا نفسه من نقائصها، وتطهر من رذائلها، وتتحلى بمكارمالأخلاق، وتارة يجلس في مجلس علم،لتتفتح آفاقه على عظمةالتشريعالإسلامي ، وتتنوّر دروب حياته بهدي تعاليم الإسلام. إن دور المسجد كبير في حياة المسلمين، فلا يقلص ويصبح مكانا تؤدى فيه الصلوات فقط، و يلتقي فيه العاطلون، ويختبئ فيه الهاربون من تحمل مسؤولية الحياة الزوجية. يجب على كل مسلم أن يعيد للمسجد دوره الإجتماعي، ودوره الريادي في نشر العلم والفضيلة.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية