الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله،«واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
إن أجهزة ضخمة، ومؤسسات متخصصة، ووسائل إعلام مسخرة لتدليس الحقائق عن الناس، وتشويه صورة الإسلام، إن هذا السلوك بعيد كل البعد عن القيم النبيلة، وعن الأخلاق الكريمة. إن كرامة الإنسان لا تحقق إلا باحترام العدل وأهله، واحتقار الظلم وأهله، ومن المؤسف أن نرى أبناء الإسلام يشاركون في ذلك التشويه والتدليس، سواء عن جهل وغفلة منهم أم عن استسلام أمام مغريات مادية، أو اتباع لثقافة التعصب، فحسبنا الله مما يفعله هؤلاء المشوهون للإسلام وتهجمهم على النيل من العلماء الأحرار والشخصيات الإسلامية الحرة، يا ترى كم من بليد يتظاهر بالذكاء، وكم من جاهل يتظاهر بالعلم، وكم من دنيئ يتظاهر بالصلاح، وكم من ضعيف أمام مغريات الدنيا، كل واحد منهم يتشبع بمحمدة من أسياده، بشعل فتيل الصراعات، وزرع زوابع البغضاء، والتشويش على عوام الناس، وزعزت استقرار المجتمعات. إن الإسلام الذي تلقيناه على سلفنا، وهم بدورهم أخذوه عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو دين الكلمة الطيبة التي تُسر السامع، وتَؤلف القلوب، الكلمة التي تترك أثرا طيبا في نفوس الآخرين، الكلمة التي تفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر، قال الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل: 125. إن الإسلام الذي جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم يرفض العنف، ويرفض سفك الدماء، قال صلى الله عليه وسلم: »إِنّ الرِّفْق لا يكُونُ فِى شىْءٍ إِلاّ زانهُ ولا يُنْزعُ مِنْ شىْءٍ إِلاّ شانهُ«، أتحدث اليوم عن التدليس الذي يُخدع به المجمتعات، وعن ثقافة غرقت في مستنقع تغذية روح الفرقة. فيجدر بنا في هذا الظلام المظلم، وفي هذا الواقع المدلس أن نلجأ إلى الله بقولنا ﴿ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ ال عمران: 173. وهي كلمة التجاء إلى الله تعالى واستعانة به لرفع هذا التدليس والإنحراف عن منهج النبوة.
إن الإسلام الذي جاءنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم قتل الأنفس، وترويع الآمنين، فالإسلام دين العدل والاعتدال، ودين السلم والمسالمة، يأمر تعالى بالمماثلة في استيفاء الحق، ويحرم الإعتداء، بل حرم المبالغة في استفاء الحق، والقرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ 126وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ 127 ﴾ النحل. فلا يجوز في الإسلام أن تقابل الكلمة بالموت، والقلم بالبندقية. »﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران:173-174 «البخاري، معشر المسلمين والمسلمات علينا بتقوى الله تعالى، فمن اتقى الله هداه إلى خير دينه ودنياه، ولنعلم جميعا أن متاع الدنيا زائل، وحساب الآخرة آت، و» الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِالأَمَانِي« الترمذي. فالإنسان القويم الكريم هو من عرف قدره وقدر غيره، واحترم كرامته وكرامة غيره، ولا يتكسّب بكرامته وكرامة غيره، فإن ذلك عمل دنيئ وخطير، حيث أنه يدور في فلك تزوير الحقائق، وتدمير القيم، ولاسيما حينما يكسي أشباه العلماء ذلك بعبارات دينية ومشروعية، إذالأمر لم يبق في تزوير الحقائق، وتشويش عقول الشباب فقط، بل تعدى إلى تحريف مفاهيم القرآن والسنة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
قال الله تعالى:﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ الحج: 46. تعمي حب الشهرة والمنصب والمال بصيرة القلب، وتطمس نوره، وترى من يتظاهر بالعلم، لكن الأعمى لا يرى النور، وصاحب الهوى لا يرى الحق.﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ النمل: 69. إن المنصب أوالمال أوالسلطة لا يدوم إذا كان قائما على الهوى أو الظلم أوالباطل، إن صاحب الهوى يطارده ألم نفسي، إن تظاهر بالسعادة والفرح، ولا يزال ضميره يلاحقه ويؤنبه ولو بعد سنين. قال ثَوْبَانَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : » إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، لاَتَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ «الترمذي. أئمة يحيون الجدل في تفسير آيات الصفات، جدل كان رائده الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، عاش في القرن السابع الهجري، خالف علماء عصره في كثير من مسائل العقيدة والفقه، وخاصة في تفسير آيات الصفات، كان منهج العلماء في عصر ابن تيمية في تفسير آيات الصفات التفويض والتأويل، وأن الإمام الطبري رحمه الله تعالى كان مؤولا لآيات الصفات تارة ومفوضا تارة أخرى، وهذا هو منهج السلف رضوان الله عليهم جميعا، أما ابن تيمية رحمه الله تعالى قد ابتكر منهجا جديدا وهو أنه حمل آيات الصفات على ظاهرها دون تشبيه، مثل قوله تعالى:﴿ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّه﴾ الحديد: 29. أول كثير من المفسرين اليد المنسوبة إلى الله تعالى في هذه الآية وغيرها بالقدرة والحفظ، وأما ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد فسر هذه الآية وغيرها على ظاهرهم، فأثبت لله عز وجل بآيات متشابهات اليد والنفس والوجه وغير ذلك. بعد قرون من الزمن أحيى بعض أتباع ابن تيمية هذا الجدل من جديد، فكفروا وضللوا الذين على منهج السلف، الذي تزعمه الإمام الأشعري رحمه الله جميع أئمتنا، واستباحوا بذلك دماء المسلمين، فياليت يفيق المسلمين وينفضون عنهم ثقافة التعصب والأنانية، ويدرسون التراث دراسية علمية، مبنية على الموضوعية والإستقلالية، والتعاون على نشر الخير والأمن في العالم. ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوقُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ال عمران: 144.