الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
من يسلك طريق الهداية، بسلوكه سبيل معرفة الحق، وحرصه على اتباعه، فإن الله عز وجل يوفقه إلى مزيد من أعمال التقوى. قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ» محمد: 17. إن العقل الذي يسترشد بالوحي الرباني يجد بسهولة طريق الهداية إلى الله تعالى. لذلك إذا استعمل العقل وفق ما أنزله الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تذكيرا وتعليما، اهتدى صاحبه إلى خير الدنيا والآخرة، أما من اقتصر على استعمال عقله في جوانب دنيوية، وأهمل التفكير في حقائق الوجود، فإنه لا يكون قد أعطى عقله حقه، ولا أنه استفاد من عقله الإستفادة المطلوبة. يظل العقل محدودا في إدراك حقائق الوجود، وخاصة الباطنة منها. فالفكر المؤيد بكتاب الله تعالى أساس هداية العقل إلى خير الدنيا والآخرة. جاء في القرآن الكريم أن هداية العقل تعزز الحكمة والفضيلة. وإن الحكمة هي النظر في الأمور بحسب ما تقتضيه المبادئ الأخلاقية. وما أحوجنا إلى الحكمة التي تساعدنا على اتخاذ خيارات مناسبة في حياتنا. قال الله تعالى: « يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» البقرة: 269. يُلفت القرآن الكريم النظر إلى كل ما ينبغي التفكر فيه، وإلى ما ينبغي أن يصل إليه فكر الإنسان. فصلاح حياة الإنسان لا تكون إلا بصلاح فكره. يشكل الفكر السليم ركيزة مهمة في الحفاظ على حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ ا المال، وحفظ النسل. وهي المسمى في تراثنا الإسلامي بمقاصد الشريعة. يعتبر ترشيد العقل ركيزة أساسية في بناء الحضارة وازدهارها. التأمل في معاني القرآن الكريم نكسب التخلق بجمال الخلق، وجمال السجية، وجمال السلوك. لأن القرآن الكريم كتاب هداية فكرية، وتغذية روحية، وإصلاح الخطيئة، وبيان بواطن الأمور. قال الله تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا» الإسراء: 9. يحدد الفكر الذي نحمله في عقولنا مقومات شخصيتنا، ويحدد طبيعة سلوكنا في واقعنا اليومي. تشكل الأفكار خطورة فائقة في التأثير على الآخرين، فبواسطة الأفكار يمكن تدمير أقوى النظم الاجتماعية وتفكيك أجمل القيم الإنسانية. تكمن خطورة مروج الأفكار في أنه يهدف إلى إخضاع الإنسان من خلال السيطرة على عقله. فلا تمنح عقلك لأي فكر مناهض للقرآن الكريم، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. يبقى كتاب الله معيارا نسدد به عقولنا. وحاجة عقولنا إلى خالقها كحاجة العليل إلى دليله. النقص هي خاصية العقل. لذلك إن العقل المسدد ضياء، بمقدار الأفكار النقية الربانية التي نغذي بها عقولنا، بمقدار ما نستضيء بنورها في ظلمة الجهل والضلال. قال الله تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ » البقرة: 186. لقد وجّهنا الله تعالى إلى استخدام العقل من خلال الحثّ على التأمّل والتفكّر والنظر في السموات والأرض وما فيهما، قال تعالى: «أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» الحج: 46. إنّ الناظر في آيات القرآن العظيم، يجدُ أنّ القرآن يشتمل على آيات التي تُلفت النظر إلى كل أنواع مسائل الوجود. وإن تدبر آيات القرآن الكريم هي أحد السبل التي تؤدي إلى هداية العقل وترشيده. « وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ» المائدة: 83. وخير ما نختم به قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» الترميذي.