الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
يذكرنا شهر ربيع الأول بنسمات مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. تحققت بمولده دعوة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام. قال الله تعالى: « رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » البقرة: 129. وبشرى عيسى عليه السلام: قال الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» الصف: 6. ساهم مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في تغيير حال الإنسانية روحيا وفكريا. كانت بعثته صلى الله عليه وسلم مولدا لنور الإسلام، وضياء للحق المبين. نشأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتيما، لكن الرعاية الربانية وعنايته نازلة إليه بالكمال والتمام. نشأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في صغره في بادية بني سعد، حيث احتضنته حليمة السعدية لمدت خمس سنوات، ثم عاد بعدها إلى أمه في مكة. بعد عودته من بني سعد ذهب مع أمه لزيارة قبر والده، وفي طريق العودة توفيت أمه صلى الله عليه وسلم وعمره ستة سنوات. وفي الثامنة من عمره توفي جده عبد المطلب الذي تكفل به بعد أمه. بعد وفاة جده تكفل عمه أبو طالب برعايته. أشرق بمولده صلى الله عليه وسلم فجر جديد، وتنفس صبح مجيد، ليفك العقول من أسرها، وينقذ البشرية من جهلها. حيث تجسد في ممارسته الحياتية قيم روحانية، أساس في رعاية حق الله تعالى في العبادة، وحق العباد في المعاملة الحسنة، وحق الذات في تغذيتها روحيا وعقليا وجسديا.
إن القيم الروحية التي أوحى الله تعالى بها إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي بمثابة سد منيع أمام الضغوط النفسية والإجتماعية. فاستشعار الغاية التي من أجلها وجد الإنسان يسدي طمأنينة وسكينة. قال الله تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» النحل:97. ومن جامع كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأحداث التي نعيشها: «وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ» أبو داود. كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذا حدث صدق في حديثه، وإذا أؤتمن حفظ الأمانة، وإذا وعد أوفى بوعده، حتى اشتهر بين قومه بالصادق الأمين. وصفه الله تعالى بالنور. قال الله تعالى: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» المائدة: 15-16. يحتاج كل انسان إلى قدوة يقتدي بها، وإلى أسوة يتأسى بها، فشخصية النبي صلى الله عليه وسلم خير من يقتدى بها. أفكاره وأخلاقه، سماته ومميزاته، عبادته وكل ما يمثله من مبادئ وقيم خير من يلهمنا الرشد والصواب. بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لحمل أمانة رسالة الإسلام، وكلفه بتبليغها بمقتضى المحبة والرحمة اعتقاداً وقولاً وعملاً. قال الله تعالى: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» النحل: 125. كان الناس في زمنه منهم من يعبد الحجارة، ومنهم من يعبد البقر، ومنهم من يعبد الجن، وآخرون ابتدعوا لأنفسهم دينا جديدا، فانتشر الظلم والإكراه بينهم، فبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى عبادة الله وحده، ويدلهم على أن القيم هي أساس الحياة الكريمة، وهي التي تجعل الفرد يفعل الصواب ويمتنع عن الخطأ.