الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
لقد اعتنى علماء المسلمين بالشمائل النبوية اعتناء يليق بجلال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فشمائل النبي صلى الله عليه وسلم هي للمسلم خير معلم ومهذب، وأحسن مرب ومؤدب، فدراسة شمائله عليه الصلاة والسلام تجعل المحبين له يزيدون له حبا وتعظيما، والأعداء يزيدون له احتراما وتقديرا. وليس هناك أحدٌ من البشر نال من الحب والتقدير ما ناله سيد البشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حيث تنطق باسمه ملايين الألسنة، وتهتزّ لذكره ملايين القلوب، والعبرة المرجوة أن يتحول هذا الحب إلى اتباع سنته، واقتداء بهديه. لقد بين الحق تبارك وتعالى معيار تلك المحبة الصادقة بقوله: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]. يحثنا القرآن الكريم على الإقتباس من مشكاة النبوية المحمدية، وخاصة في هذا الزمن الذي اختلطت فيه الأمور، وتصارعت فيه الدعوات باسم الإسلام، فلا يستطيع كثير من شباب المسلمين التفرقة بين دعاة الإسلام، وبين دعاة الطوائف والأحزاب. معشر الإخوة والأخوات نتحدث اليوم عن مقتطفات من شمائل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعن وقفات من سيرته العطرة، فتشبث بالشمائل المحمدية، والآداب النبوية، فهي خير معين على معرفة الحق، وأحسن منبع ترتوي به. فإننا بحاجة إلى تجديد المسار، وتصحيح المفاهم على ضوء الشمائل النبوية الشريفة، فبها تزكى السرائر، وتتحسن السلوك. فإننا نقرأ ونسمع بكل أسى من يستحل أعراض العلماء خصوصا والمسلمين عموما، بدعوى أنهم انحرفوا عن الإسلام، وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والواقع غير ذلك. يخبرنا سيدنا أنس بن مالك أن من شمائله صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا» البخاري. وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يصحح أخطاء المخطئين دون جرح مشاعرهم، ونقص من دينهم، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من شتى أنواع العبادات، كتلاوة القرآن ومدارسته، والصلاة والصيام، وكان صلى الله عليه وسلم جوادا معطاء. لقد جمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع مقومات العظمة الإنسانية، وفي جميع أحواله كان مؤيدا بوحي من الله تعالى. فكان النبي صلى الله عليه وسلم حكيما في معاملاته، رحيما في خطابه، وصدق الله العظيم حين وصفه بقوله: وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ الأنبياء:107.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
كان من شمائله صلى الله عليه وسلم يراعي أحوال الناس، ويقابل الخطأ بالعفو، والسوء بالحسن، والحسن بالأحسن. يروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ـ أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ـ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» البخاري. انظروا رحمكم الله كيف أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي برفق وحكمة، ومنع الصحابة من عقابه عن هذه الفعلة الشنيعة التي لا تليق ببيوت الله تعالى، فلما رأى الأعرابي خلق النبي الرفيع، وسلوكه العظيم، رفع يديه إلى السماء وقال: « اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا» أبو داود. تأملوا معي معشر الإخوة والأخوات سلوك النبي وأنزلوه على واقعنا المعاصر، مع الأسف لقد انشغل بعض المسلمين بتضليل المسلمين، وأصبحت الدروس الدينية، ومنابر المساجد مكان لتوجيه السب والشتم والتبديع والتضليل للمسلمين، حتى الإئمة الكبار والعلماء الربانيين لم ينجو من سوء لسان هؤلاء. ونبينا الكريم كما يروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه أنه قيل له يارسول الله أدع على المشركين، فرفض ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» مسلم. فأين رحمة الإسلام، وأين سنة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس، فقد كان صلى الله عليه وسلم روعة في تعامله مع المسلمين وغير المسلمين، كما كان صلى الله عليه وسلم مثالا في الأخلاق، ورقة القلب، وكف الأذى، وعفة النفس، كما كان صلى الله عليه وسلم أيضا دائم البشر، سهل الطبع، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يدفع السيئة بالحسنة والحوار. ولقد أثنى عليه الله في القرآن بقوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لانْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَآل عمران: 159. كان صلى الله عليه وسلم مثالا في التودد إلى الناس. يعكس التودد وحسن الكلام الجمال الروحي والأخلاقي الذي جاء به الإسلام للناس. لقد اندثر جمال الإسلام وانتشر البغض. بكل أسى نرى قوما من المسلمين من يوزع صكوك الضليل والتبديع، ويشغلون عوام المسلمين بقضايا فرعية كلامية وفقهية، كثيرا منها ليست مما يحتاجه المسلم في عقيدته وعبادته لله تعالى، ولا يتوقف قيام الدين عليها، بل قد تضره في حياته الدينية، وخاصة الخوض في ذات الله وصفاته. يكثر هؤلاء الخوض في المتشابه من آيات القرآن والحديث، كما يثيرون المسائل المختلف فيها بين العلماء. فيالت هؤلاء يرون النور وينأون بأنفسهم عن الجدال لا طائل منه، والذي بدأ بالفعل في القرن الثالث عشر. أتمنى لكل واحد انجر إلى هذا الجدال أن يسطلح مع نفسه ويتوب عن هذا السلوك المنافي لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي مدحه ربه عز وجل بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمالقلم:4.