الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
استخلف الله عز وجل الإنسان في الحياة الدنيا، وكما جعل الله الإنسان قابلا بأن يتمتع بالعافية والفرح، جعله أيضا قابلا بأن يواجه الآلام والأحزان. كما أن الحياة هي مليئة بالنعم والخيرات، فهي أيضا مليئة بالنقم والشرور. يتقلب الإنسان في الحياة بين التلذذ بنعمها، والتألم بنقمها حسب سلوكه وقدره. بعث الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرأن الكريم ليعلم البشرية كيف يتمتعون بالنعم، ويحمون أنفسهم من النقم. من أجل ذلك حرم الله عليهم كل ما قد يسبب لهم أذى، وأمرهم وأحل لهم كل ما هو خيرلبدنهم وعقلهم وروحهم. قال الله تعالى: « الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الأعراف: 157. كما يتمتع الإنسان في حياته بالعافية والهناء، قد يتعرض أيضا لمشاكل اجتماعية، وكوارث طبيعية. فكثيرا ما تفسر هذه الظواهر الإجتماعية والطبيعية على أنها عقوبة من الله تعالى، أو تفسر على أنها ظاهرة طبيعية. نؤمن بأن الله عز وجل قادر على كل شيء، وأن كل ما يحدث في هذا الكون الفسيح، يحدث ضمن علمه وإرادته سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» القمر: 49. يتبين من كتاب ربنا أن الله تعالى أسند تطبيق عقوبة الدنيا إلى اولي الأمر ، وفي الآخرة ينال الإنسان من الله تعالى ما يستحقه من العقاب أو المغفرة. قال الله تعالى: « قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا » الكهف: 87. فلا أدري من أخبر هولاء الذين يصفون الأحداث المفزعة الغيبية السبب بأنها عقاب من الله تعالى، أو على أنها كارثة طبيعية. يعلمنا القرآن الكريم في صريح آياته أن الإنسان معرض للإصابة بالآلام نتيجة سلوكه في الحياة، أو نتيجة انتقال العدوى، أو نتيجة سبب لا يعلمه إلا الله تعالى.
يُقصر بعض الناس أن ما يصيب الإنسان من المصيبة على أنها عقاب من الله تعالى، فهذا الحصر ليس بسديد، ولا يوافق عموم الأدلة الشرعية. جعل الله عز وجل قوانينا للحياة الدنيا تحدد نتائج سلوك الإنسان. فمن ألتزم بقوانين الله تعالى، واتبع أمره واجتنب نهيه وفر لنفسه ولذريته الحماية، ومن تهاون بها قد يصيبه ما يكره. قال الله تعالى: «قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا» الأنعام: 104. يؤكد الله عز وجل في آيات كثيرة على مسؤولية الإنسان تجاه حماية نفسه ومجتمعه من المصيبة. إذا تتبعنا واقع مجتمعنا الإسلامي في تفسير ظواهر الحياة، نجد سوء توظيف مفهوم القدر، بهذا الفهم يُبعد الإنسان عن نفسه المسؤولية التي حملها الله له. إن حفظ الحياة علقها الله تعالى بفعل العبد، فالله لا يغير حال الإنسان، إلا إذا غيَّر الإنسان أفكاره وأسلوب حياته. قال الله تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» الرعد: 11. جعل الله القدرة للإنسان على صنع مصيره وقدره، فإن كان شرا أو خيرا فبما كسبت يداه. قال تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» الزلزلة: 7- 8. يبالغ بعض الوعاظ في تفسير بعض الأحداث على أنها عقاب من الله تعالى في هذه الدنيا، قياسا على أصاب الأمم السابقة. إذا تأملنا في هذا القياس وجدناه لا تتوفر فيه شروطه، وبهذا يكون هذا التفسير جانبه الصواب. ثانيا: تفسر بعض الأحداث التي لا يعلم سبب حدوثها الا الله تعالى، كأن هؤلاء أنزل عليهم الوحي. ثالثا: تعتبر بعض الإبتلاءات التي يتعرض لها الإنسان على أنها عقاب من الله تعالى، وهل ما حصل لبعض الأنبياء عليهم السلام كان عقابا. سنة الله تعالى في الحياة أنها لا تدوم على حال، فهي تتقلب بين الرخاء والشدة، وبين العنى والفقر، وبين الصحة والمرض، وبين الفرح والحزن. قال الله تعالى: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» ال عمران: 140. فالمطلوب أن نتعلم كيف نتقلب مع تقلبات الحياة، وأن نتعايش مع متغيراتها.