الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
كل ظاهرة كونية تمس الوجود البشري بالمعانات والموت تتيح سلسلة من النقاشات على المستوى الإيمان والأخلاق. حينما يذعر المرء حدث مرعب مثل زلزال مدمر، أو وباء مهلك تنفجر من قبل البعض أسئلة وجودية، ومن بعض الآخر أحكام دينية. لقد تسرب في ثقافتنا الإسلامية أن الأحداث الحسنة تصيب الصالحين، وأن الأحداث السيئة تصيب السيئين، وأن الظواهر الكونية أسباب في مكافئة الصالحين والصالحات بالعواقب الحسنة، ومعاقبة الطالحين والطالحات بالعواقب السيئة. إن هذا المنطق لا يتفق مع جوهر المبادئ الإسلامية، ويتعارض مع كليات وروح القرآن الكريم والسنة النبوية. في الحقيقة إن الأحداث الكونية تحمل كثيرا من المعاني الإلهية الغيبية، مبدئيا ليس من قدرة الإنسان التوقف على حقائقها. وإن هذه المعاني لا تفسر بظنيات الأدلة وإنما بقطعياتها، ولا بقصص قرآنية أو حديثية مخصوصة بحدث معين. فالحياة في التصور القرآني مليئة بأنواع من الإبتلاءات والمصائب التي قد تصيب الصالحين والطالحين على السواء. قال الله تعالى: « وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» البقرة: 154ـ156. إن زلزال الأرض ظاهرة كونية طبيعية ناتجة عن نشاط جيولوجي يحدث وفق سنن إلالهية. حيث أن الأرض تدور حول الشمس بانتظام محكم، وهي تبدوا هادئة وساكنة، ولكن في داخلها اضطرابات وهيجان شديد. إن الزلزال والتفاعلات الجيولوجية الأخرى في الأرض موجودة منذ أن خلق الله الأرض. إن الزلازل والأوبئة والأعاصير آيات من آيات الله التي يلفت القرآن الكريم انتباها إليها. قال الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» الروم: 45. لا شك أن الزلازل والأعاصير من أشد المظاهر الكونية تأثيرا في القلوب، ومن أشدها تنبيها للنفوس بما تحدثه من مشاهد عظيمة ومرعبة. قد أكد سيدنا محمد ﷺ عن هذه الآيات في مناسبة كثيرة. في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن نبينا محمد ﷺ حدثت احدى الظواهر الكونية، حيث انكسفت الشمس ، فقالت الصحابة رضوان الله عليهم: انكسفت الشمس لموت ابراهيم. فقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليصحح هذه الفكرة التي بدأت تنسر بين الناس، فقال ﷺ: « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ» البخاري. كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن مجموعة من علامات الساعة، منها كثرة الزلازل، حيث قال ﷺ: « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ـ وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ـ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ» البخاري. هذه الأدلة قد تفيد أن الظواهر الكونية حالات طبيعية تحدث وفق قوانينة إلاهية. وهذا لا يتنافى مع إرادة الله تعالى، حيث إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وهذا لا ينفي البلاء الذي قد يقع بأسباب الوقوع في المنهيات والمخالفات الشرعية. فصحيح أن القرآن الكريم يخبرنا عن ما أصاب أقوام من الدمار والهلاك بسبب فسادهم وطغيانهم، لكن مكمن الخطأ أن يعمم ما أصاب قوم عاد وهود وغيرهم على كل من يصاب بكارثة من الكوارث الكونية. تنقسم أسباب الزلازل إلى أسباب طبيعية تحدث وفق سنن آلهية، وأخرى غير طبيعية، تنتج بسبب تصرفات الإنسان التي تخل بتوازن قشرة الأرض، مثل التجارب النووية، وحفر آبار النفط والغاز في أعماق الأرض والبحار. المباني الشاهقة محفوفة بالمخاطر في مناطق الزلزال. لقد سخر الله تعالى الكون للإنسان، وجعله خليفة فيه ليحفظ على نظامه، ويعمل على اعماره لا خرابها. قال الله تعالى: «وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ» الروم: 24.