الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
يحث الإسلام على طهارة البدن والثوب والمكان، وجعلها شرطا لصحة العبادة، ومفتاحا للحياة الكريمة. إن الطهارة مظهر من مظاهر الحضارة الإسلامية، وفضيلة من فضائل ديننا الحنيف. قسم الشرع الحكيم الطهارة إلى طهارة الحدث والخبث، وطهارة الصغرى والكبرى، وطهارة المائية والترابية. والحدث هي نجاسة معنوية، وهي قسمان حدث أصغر وهو الناتج عن خروج الغائط أو البول أو الريح، ويستوجب منهم الوضوء، والقسم الثاني حدث أكبر الناتج عن الجماع أو انقطاع دم الحيض والنفاس، ويستوجب منهم الغُسل. أما الطهارة الخبث فهي إزالة النجاسة الحسية كالدم والبراز والبول من الجسم أوالملبس أوالمكان. وأما الطهارة المعنوية تتمثل في تطهير القلب من الشرك والنفاق والكبر والحسد والحقد، وتطهير اللسان من الكذب والغيبة وقول الزور.ومن تيسير الإسلام ورحمته شرع لنا في حالة عدم القدرة على استعمال الماء بسبب المرض أو بسبب عدم وجود الماء الطهارة الترابية، وتسمى التيمم. ويجمع هذه الطهارات قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» المائدة: 6. تُبين هذه الآية الكريمة جماليات الإسلام في مجال النظافة، وتُنوه بعلو شأنها البدنية والروحية عند الله تعالى.
إذا تأملنا في محاسن الطهارة، وما تشعه من الجمال والحيوية، فهي ضرورة إنسانية، وفريضة شرعية، وقربة يتقرب بها المسلم والمسلمة إلى ربهما. يؤكد سيدنا محمد ﷺ هذا المفهوم بقوله: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» مسلم. إن الإنسان الذي يحافظ على نظافة جسمه وثوبه ومكانه يعطي انطباعا جميلا وراقيا عن نفسه وعن محيطه. يدعونا سيدنا محمد ﷺ في أحاديث كثيرة إلى الوقاية من خطورة نجاسة البراز والبول والدم. وتؤكد المصادر الطبية أن النجاسة مصدر غذائي مهم للبكتيريا، وسبب أساسي لمختلف الأمراض. يرشدنا سيدنا محمد ﷺ في الحديث التالي إلى مقاربة وقائية مهمة للتصدي لتحديد انتشار العدوى: حيث قال ﷺ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» مسلم. تعتبر اليد الملوثة بالنجاسة من أكثر طرق انتقال العدوى شيوعًا. لذا يعد غسل اليدين الخطوة الأولى لسلامة المجتمع من الأوبئة والأمراض. فالعادات المتمثلة في غسل اليدين، تساعد على تحديد إنتشار البكتيريا في جسم الفرد وفي المجتمع، وتساعد على الوقاية من مختلف الأمراض. من أجل الحفاظ على صحتنا وصحة غيرنا علمنا الشرع الحكيم استخدام اليد اليسرى للنظافة الشخصية، وابقاء اليد اليمنى طاهرة لأمور العبادة، ومن أجل تناول الطعام ومصافحة الآخرين. ففي الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: « كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلاَئِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» أبو داود. من هنا يتين لنا أن تعاليم الإسلامية غنية التوجيهات الوقائية، وهي تتوافق مع التعليماتالطبية الحديثة.
إن غسل اليدين يزيل الدسم ورائحته التي تنجذب إليهما الحشرات من ذوات السموم وغيرها. إن غسلهما باتنظام في أوقات معينة، مثل بعد استعمال بيت الخلاء، أو قبل تناول الطعام، أو بعد مصافحة الآخرين يقلل بشكل كبير من خطر انتشار العدوى. وإلى هذا المعنى يشير سيدنا محمد ﷺ بقوله: « مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ » أبو داود. والغمر هو الدسومة التي تبقى في اليد بعد الطعام. ومن القيم الوقائية التي جاء بها الإسلام الإستنجاء بالماء بعد دخول بيت الخلاء. حيث إن إزالة نجاسة البراز والبول تقي الإنسان من أمراض كثيرة، وبخاصة الأمراض المعدية. يروي لما أبو داود أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: «أن النَّبِيُّ ﷺ كَانَ إِذَا أَتَى الْخَلاَءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى». تعلمنا القيم الإسلامية أن لا نلقي بالنجاسة في الطرقات والأماكن العامة التي يرتادها الناس؛ احتراما لمشاعرهم، وحماية لهم من العدوى. في هذا السياق قال سيدنا محمد ﷺ:« اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ. قَالُوا وَمَا اللاَّعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ» مسلم. والتخلي هو التبول أوالتبرز. إن القرآن الكريم والحديث النبوي مليئان بالتوجيهات العامة التي تحث على الطهارة والنظافة. قال تعالى: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» البقرة: 222. وفي الختام لقد جمعت السنة المحمدية من كل شيء أحسنه، ودلت على خصال تجعل الإنسان نظيفا باطنا وظاهرا. قال سيدنا محمد ﷺ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» البخاري.