الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
لقد عاش سيدنا ابراهيم عليه السلام عمرا طويلا دون أن يرى أو يسمع صبية له يمرحون في أرجاء بيته، ويركضون حوله واحدا تلو الآخر. كان عليه السلام يبتهل في كل حين إلى الله تعالى بأن يهب له مولودا تقر به عينه، وتسر به نفسه. «رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» الصافات: 100. طال انتظار نبي الله ابراهيم إلى بلغ سن الشيخوخة و بلغت زوجته سن العجائز، فبرحمة من الله تعالى رزق بولدين من الأخيار أحدهما من هاجر والآخر من سارة. إن الظروف التي ولد فيها اسماعيل وإسحاق جعلت سيدنا إبراهيم عليه السلام يتعلق بهما أشد من تعلق أي أب بمولوده. حمد الله تعالى على استجابة دعائه، وتحقيق أمنيته. حيث قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ» ابراهيم: 39. تملوا معي معشر الإخوة والأخوات أن رجلا وامرأة عمرا في الدنيا حتى أصبحا طاعنين في السن، منذ أن تزوجا في شبابهما وهما ينتظران يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة مولودا ليتذوقا به معاني الأمومة والأبوة. بعد الإنتظار الطويل وقد وصل اليأس إلى نهايته، فجأة تحدث المفاجأة العجيبة الغريبة، إذ يرزقان بمولود نبيل، ياترى كيف سيكون رد فعلهما إذا أصيب طفلهما مكروه؟إن خوفهم من فقدانه سيزيد يوما بعد يوم.و لا شك أن الحب له، والإهتمام بصحته وتربيته سيكون أضعافا مضاعفة. فقصة سيدنا ابراهيم والسيدة سارة رسالة لكل من له أمنية ينتظر تحقيقها. يعتبر القرآن الكريم الأولاد زينة الحياة وجمالها. «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً» الكهف: 46. إن الحب العارم الذي يسحر القلب، ويُسكر الجسد كافٍ لتحفيز الوالدين على إعطاء طفلهم رعاية حقيقية ومشاركة نشطة في عملية نموه. إن التعلق الشديد بالمولود يجعل الوالدين حرصين كل الحرص على حمايته من أي شيء قد يهدد حياته أو يقلق راحته. إذا كان المربي أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم، والمولود سيدنا إسماعيل عليهما وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسليم، فإن معاني الكرامة والفضل ستزيد من معاني المحبة والدفء. فالحب هو دفء القلوب، وشمعة الوجود لكل صغير وكبير. عموما إن الأم والأب يتلذذان بعنفوان أبنائهما وبناتهما، ولمحات وعيهم، ولفتات جمال مظهرهم، وجمال مخبرهم. يزيد فرح الوالدين وهما يلمسان المواصفات الإنسانية تتنامى في شخصية أبنائهما بصورة طبيعية ومتوازنة. كانت شخصية سيدنا إسماعيل بالغة الإنسجام مع توقعات أبيه صلوات الله وسلامه عليهما. لقد أسعد إبراهيم بإبنه إسماعيل وهو يناوله الحجارة في بناء الكعبة المشرفة. إنه من الشرف بمكان أن يشترك الأب والإبن في بناء أشرف بيت على الأرض. أثناء هذا العمل الشريف الخالد يرددان قوله: «ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» البقرة: 127. ذات ليلة رأى سيدنا إبراهيم في المنام رؤية أثارت الفزع في نفسه، و أقضَّت مضجعه كلما تخايلت له صورها. لما تيقن سيدنا إبراهيم عليه السلام أن ما رآه في المنام بالتكرار ليست رؤية عابرة بل هي وحي من الله تعالى، أخبر بذلك ولده واستشاره في ما رأى. «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » الصافات: 102. تدلل هذه الحادثة الخاصة بالأنبياء على أهمية الشورى داخل الأسرة؛ حتى أن ما يتعلق بالأمر الإلهي يجب على الوالدين أن لا يكون متسلطين ولا خاضعين لأهواء أولادهما، وخير الأمور أوسطها. إذا كانت كلمات الآيات المباركة التي نطق بها سيدنا أبراهيم تنضح بالعاطفة والدفء، وتفيض بالحب والحنان، فإن الكلمات التي نطق بها اسماعيل تنضح بالولاء والرضا، وتفيض بالثقة والطمأنينة. كانت المكافأة لهذا السلوك النبيل التقدير الحسن، والفداء بالأضحية، والخلود لهذه الحادثة الخاصة، والشهادة الربانية. « وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ. كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ »الصافات: 107-111. شرع الله تعالى الأضحية تخليدا لهذا الموقف العظيم. إن أضحية العيد عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى راغبين الأجر والثواب. فالأضحية ليست قضية لحم نأكله أو لا نأكله بل هي قضية عبادة. « لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ » الحج: 37. ليس من الصدفة أن يرتبط عيد الأضحى بفريضة الحج، حيث يُعتبر يوم العيد يوم الحج الأكبر؛ يقوم فيه الحجاج بأغلب مناسك الحج. إذا كان شعار الحج التلبية، فإن شعار العيد التكبير. « وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ» البقرة: 203. يشرع التكبير في البيوت، والمساجد عقب الصلوات وغيرها. نفتتح هذا اليوم بصلاة العيد فهو يوم العبادة، ويوم صلة الأرحام، ويوم مواساة الضعفاء. إن العيد والحج فرصة لإجتماع المسلمين والمسلمات لذكر الله تعالى، والتوجه إليه بالإستغفار والإبتهال، ومواساة بعضهم البعض.