الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
جعل الله البيئة رفيقة بحياتنا، بما خصها تعالى من أسباب الحياة الكاملة، وما نحتاجه للقيام بعمليات حيوية. وأن أساس الحياة الماء الخالي من التلوث. قال تعالى: « وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» الأنبياء: 30. يعيش كل منا في بيئة اجتماعية، تحيطها بيىئة طبيعية مسخرة له، وأن مصيرنا الصحي مرتبط بتوازن النظم البيئية. فبيننا وبين البيئة علاقة متبادلة، فإن لكل منا يؤثر على الآخر. فنظافة البيئة عامل أساسي لإستمرارالحياة، فنحن بحاجة ماسة لبيئة نظيفة خالية من التلوث، حيث ان التلوث يشكل خطرا كبيرا علينا وعلى الحيوان والنبات. نكسب غذائنا وملبسنا ودوائنا من البيئة. قال الله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» الملك: 15. نُعتبر نحن بني آدم أهم مخلوق حيوي في الحفاظ على البيئة أوالإخلال بها، فمنذ وجودنا ونحن نتعامل ونتصارع مع مكونات البيئة. تغير المناخ هو حديث اليومي . هل يمكننا أن نفعل شيئًا حيال تغير المناخ؟ نعم، نحن في عصرنا بحاجة إلى التفكير في أخلاقيات اجتماعية تتعلق بحماية البيئة. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن إلقاء القاذورات والنجاسة في الماء والأماكن العامة. حيث قال صلى الله عليه وسلم: « اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ » أبو داود. عد النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الأذى الذي قد يُلحق بالناس الضرر من محاسن الأعمال. الإضرار بالبيئة إضرار بالناس. قال صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فَوَجَدْتُ في مَحاسِنِ أعْمالِها الأذَى يُماطُ عَنِ الطَّرِيقِ » مسلم. لكل واحد منا يستطيع أن يحمي البيئة وأن يحد من التلوث، وكل واحد منا مسؤول أمام الله عز وجل على حماية البيئة. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» البخاري. لا تحتقر مساهمتك في حماية البيئة مهما كانت في عينك صغيرة، ولا تقل إن مساهمتي لا تجدي نفعا، وتذكر قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» مسلم. فبمساهمتك أيها المسلم وأيتها المسلمة في نظافة الحي الذي تسكن فيه، وفي تقليلك من حجم النفيات، وتخلصك من القمامة بطريقة سليمة، تمنع بذلك انتشار الأمراض وانتقال العدوى، وتساهم في ازدهار مجتمعك. إن كل ما يصيبنا من الأمراض ومن الأوبئة هي نتيجة سلوكنا الخاطئ مع البيئة. قال الله تعالى: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» الشورى: 30. لا تسرف في استعمال الماء، ولا تلقي فيه المنظفات الكيماوية. قال الله تعالى: « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ » الأعراف: 31. فالمسلم والمسلمة مأموران بالإقتصاد وعدم الإسراف في كل شيء، حتى ماء الوضوء أو الغسل. عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» أحمد. إن الحفاظ على البيئة حفاظ على سلامتنا، وحفاظ على حياة الأجيال القادمة. نتنفس من هواء البيئة، فإذا كان الهواء ملوثا، حتما يؤدي إلى اصابتنا بأمراض وأوجاع التي لم تكن في أسلافنا. قال الله تعالى: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة» البقرة: 195. تعد الحفاظ على البيئة من الأعمال التي تقربنا إلى الله تعالى، وبها نكسب الأجر والثواب منه تعالى. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» مسلم. وقال الله تعالى: «وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ* وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ* لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ» يس: 33- 35.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: