الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
يجول النائم في عالم الأحلام، حيث يختلف بطبيعته وحدوده عن عالم اليقظة. فهو لا يعرف حواجز الزمن ولا المكان. قد يعيش النائم في عالم الأحلام لحظات من الماضي والحاضر والمستقبل، فالعين ترى، والأذن تسمع، واللسان يتكلم، والذهن يسيح في عوالم الخيال، والجسد ساكن ممدود على سريره. يعيش النائم تارة لحظات من السعادة، فينعم بمكانة مرموقة في محيطه، ويرى أحبابه من الأحياء أو الأموات، وتارة يعيش لحظات من الأحلام المفزعة التي تسبب له القلق والخوف. يتبين لنا أن رؤى الإنسان في المنام تنقسم إلى رؤى مفرحة وأخرى مفزعة. يسأل كثير من الناس عن معنى هذه الرؤى، ومدى حقيقتها في الواقع. فالناس في اعتبار الرؤى مذاهب، فمنهم من غلا في اعتبارها، وجعلوها متحكمة في حياتهم ومستقبلهم، ومنهم من استهان بها، واعتبروها أضغاث أحلام. إن حقيقة الرؤى لا تزال خافية على ذوي الاختصاص، لقد اختلفوا في تفسيرهم العلمي فيما يراه الإنسان في منامه. حصر فرويد الرؤى في البعد النفسي فقط، أي انها نوع من حديث النفس. حيث انه اعتقد أن الأحلام تنشأ في الأساس من صراعاتنا الداخلية بين الرغبات اللاواعية وجهود الإنسان في كبحها. ولا شك أن الرؤيا ثابتة في القرآن والسنة. فقد ذكر القرآن الكريم مجموعة من رؤى الأنبياء، فمنها رؤية سيدنا ابراهيم عليه السلام تقديم إبنه قربانا لله تعالى ، قال الله تعالى: «يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» الصافات: 102. ومنها رؤية سيدنا يوسف عليه السلام، قال الله تعالى: «إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ. قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ» يوسف: 4-5. ومنها رؤية السجينين اللذين كانا مع سيدنا يوسف عليه السَّلام في السجن. «وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» يوسف: 36. ومنها رؤية العزيز ملك مصرفي زمن سيدنا يوسف. قال الله تعالى: «وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ» يوسف: 43. ومنها رؤية دخول مكة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ»الفتح: 48.
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
يسأل كثير من الناس كيف يتأتى لهم أن يروا في منامهم وقائع كأنها حقائق ملموسة، وهل هي تنبؤهم عما تخفي عنهم الأيام من مكنون الغيب. إذا نظرنا في التراث النبوي نجد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تقسم الرؤيا إلى حديث الملك (وتسمى الرؤيا الصادقة)، وفي مقابلها حديث الشيطان (وتسمى الرؤيا الباطلة)، وبين هاتين الرؤيتين حديث النفس أو حديث العقل الباطن، وهو تفاعل النفس مع واقعها الذي تعيشها، بحيث ينشغل الإنسان في نهاره بشئ من همومه وتمنياته، فيرى ذلك في منامه. ففي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ». وعند ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». ونجد أيضا في التراث النبوي أحاديث تحدد الأسباب التي تؤدي إلى الرؤيا والحلم، منها وسوسة الشيطان، والثاني اضطرابات النفسية بسبب همومها اليومية وتمنياتها، والثالث بشرى من الله تعالى. ومما قد يؤدي إلى الأحلام أيضا تناول أنواع معينة من الأدوية. كما قد يؤدي المرض والخوف إلى رؤية الأحلام المزعجة، والكوابيس، والشعور بالقلق والتوتر. السؤال الذي كثيرا ما يرد في الأذهان هو كيف أتعامل مع الرؤى والأحلام؟ أستطيع أن أقول أن ما يراه الإنسان في منامه منها ما هو رؤيا حسنة، تدخل على النائم الفرح والسرور، وقد نسبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى، وأخرى مكروهة، تفزع النائم وترعبه، فهي من الشيطان. فليتعوّذ الحالم بالله تعالى من شرّ ما رآى، فليقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَسَيِّئَاتِ الْأَحْلَامِ، «وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» )مسلم(، ولينفث عن يساره ثلاثاً، وليقم فيصلي ما كتب الله له، وألا يخبر بها أحداً. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» البخاري. فينبعي للمسلم عدم التعلق بالرؤى وتصديقها واستظهار الغيب بها. فالرؤية ما هي إلا مبشرة بالخير، أو هي أضغاث أحلام لا حقيقة لها في واقع حياة الإنسان. عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ، فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: لاَ تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ» مسلم.