الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
نتعرض في علاقاتنا اليومية إلى نقاشات وخلافات. يحتدم الخلاف أحيانا حول مسألة من المسائل الواقعة في حياتنا. فترتفع الأصوات من أجلها، فيشرق هذا ويغرب الآخر. ثم تتسع فجوة الثقة بينها شيئا فشيئا، وتزداد الجفوة حجما كلما زاد الجدال بين الطرفين. بعد أن تفتقم المشكلة، يدرك كل طرف أن الحل هو ضبط النفس، وعدم التصرف بموجب العاطفة. تنبثق مواطن التعايش، وتنبلج مروج التوافق بالرجوع إلى القيم الأخلاقية النبيلة، منها العفو والإحترام وقبول الإختلاف. «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ 118إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ» هود. إن العفو يمثل الجسر الذي يتيح لنا اصلاح علاقاتنا الأسرية، وهو أحد السبل المتينة لتعزيز علاقاتنا الإجتماعية. إن العفو خلق إسلامي ذكره القرآن الكريم في آيات كثيرة، وطبقه سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم على ارض الواقع. قال الله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» الأعراف: 199. العفو والصفح من صفات المتقين «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى » البقرة:237. أنزل الله القرآن الكريم وأرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حاملا رسالة عظيمة متضمنة للقيم الحضارية، وفي طليعتها قيمة العفو. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لقريش: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ». يؤدي هذا الخلق العظيم إلى عدم تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس. قال الله تعالى: « وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » فصلت: 34. إن العفو هو مثل الممحاة الذي يزيل آثار الماضي المؤلم. قال الإمام الشافعي:
لما عفوت ولم أحقد على أحدٍ أرحت نفسي من هم العداوات.
إن التخلق بقيمة العفو يحررنا من الغضب والقلق، ويحمينا من الإضطرابات الجسدية والنفسية. يعد سلوك العفو ركنا أساسيا في بناء الشخصية الإنسانية بناء متزنا. وضع لنا ديننا الحنيف منهاجا تربويا يحصننا من العقد النفسية. فحث المسلم على ترويض نفسه على التخلق بخلق العفو. قال الله تعالى: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» الحجر:85. فسلوك العفو نقاء للروح، وصفاء للقلب، وإخماد لنيران الإنتقام في الأفكار. يدعو ديننا الحنيف إلى التزام منهج الحكمة لا منهج المشاعر العاطفية. يتمتع المتخلق بخلق السماحة والصفح بصحة أفضل من غيره الذين يسعون للإنتقام. إن المنظومة الأخلاقية الإسلامية تساعد على كيفية التعامل مع الأفكار المختلفة. إن سلوك العفو يقوي المناعة، ويقلل من افرازات هرمون التوتر. وهو ينعكس بشكل إيجابي على صحة الإنسان.
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
جاءت رسالة الإسلام بقيمة العفو حيث يحمل في طياته الخير الكثير، وفضلته على القصاص والإنتقام. قال الله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ » النحل: 126. إن العفو صفة نبيلة يحبها الله تعالى، وبه وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اللهَ تعالى، حينما سألته أمنا عائشة بما تدعو به ليلة القدر. قال عليه الصلاة والسلام: « قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» الترميذي. يعيش الإنسان بثقافة العفو في جو يغشاه الأمن في نفسه، ومع غيره. للعفو آثار إيجابية على الفرد وعلى المجتمع، منها سلامة القلوب من الأحقاد، وسلامة الأفكار من الإنتقام. يؤدي عدم العفو إلى شدة لهيب العضب وهو مفتاح الشرور. فالغضب يهدر القوة المعنوية للإنسان. إن مبدأ العفو في التعامل مع غيرك هو بحد ذاته تأصيل لمبدأ التقارب. قال الله تعالى: «إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ
جاءت رسالة الإسلام بقيمة العفو حيث يحمل في طياته الخير الكثير، وفضلته على القصاص والإنتقام. قال الله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ » النحل: 126. إن العفو صفة نبيلة يحبها الله تعالى، وبه وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اللهَ تعالى، حينما سألته أمنا عائشة بما تدعو به ليلة القدر. قال عليه الصلاة والسلام: « قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» الترميذي. يعيش الإنسان بثقافة العفو في جو يغشاه الأمن في نفسه، ومع غيره. للعفو آثار إيجابية على الفرد وعلى المجتمع، منها سلامة القلوب من الأحقاد، وسلامة الأفكار من الإنتقام. يؤدي عدم العفو إلى شدة لهيب العضب وهو مفتاح الشرور. فالغضب يهدر القوة المعنوية للإنسان. إن مبدأ العفو في التعامل مع غيرك هو بحد ذاته تأصيل لمبدأ التقارب. قال الله تعالى: «إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا»النساء:149. إن ممارسة سلوك العفو لا يعني الضعف، وإنما يعني قوة النفس. «ليْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» البخاري. إن العضب جمرة تشتعل في نفس الإنسان، فهو بحاجة إلى قوة روحية يكبح بها جماحها، ويضبط بها تصرفاته وسلوكه. «وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا» مسلم. إن صلة الإنسان بالناس تحيطها ضبط النفس، وتظللها السماحة. «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، وسَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» ابن ماجه.