الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله،«واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
إن تربية القلوب على الإيمان والصلاح من أول الواجبات، فما لم تصلح القلوب لم تصلح الجوارح، وما لم تتجذَّر في القلب محبة الله تعالى ومهابته فليس لأعمال الجوارح قيمة تذكر، فما يبنيه الإنسان في العلانية يهدمه في السر، ذلك أنه لم يجعل بينه وبين أفعاله جدارًا من الوازع الديني الذي يمنعه من فعل المنكر، ويوجهه لفعل الطاعات، إن العناية بتنمية الرقابة الذاتية وتقويتها بالمبادئ الإسلامية السمحة أمر في غاية الأهمية، حيث بهما يستطيع المرء تنقية نفسه من غوائلها وأحقادها، ويزرع فيها قيم المحبة والوئام، ويُرسخ فيها ثقافة الحوار والإحترام، ويجسد فيها روح الجدية والإلتزام، فإذا تشربت النفس هذه القيم القرآنية والمعاني النبوية سهل عليها بالتالي فعل ما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة، فالقلب أمير الجوارح. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ» مسلم. إن موافقة الظواهر للبواطن، وانسجام الأفعال مع المعتقدات، والنظرية مع التطبيق، هو الضمانة الكبرى لحصول الإطنئنان النفسي والإستقرار الأسري والإجتماعي. وإن استحضار المسلم لمراقبة الله تعالى والشعور بمعيته في كل أحواله، في أقواله وأفعاله، وفي حركاته وسكناته، يقتضي ذلك منه فعل الطاعات، وترك المنكرات. يقول الله تعالى: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ 16 إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ 17 مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 18( ق.
إن استحضار معية الله سبحانه وتعالى هو منهج الأنبياء، وشعار الصالحين، ودأب المخلصين. وعلى هذا أكد سيدنا رسول الله عليه وسلم في وصيته لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما قال له: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» الترمذي. فعلينا معشر الإخوة والأخوات أن نستلهم من هذا الحديث الشريف مسارنا وفلسفتنا في الحياة، فلا يستطيع أحد دون الله تعالى أن يجلب لنا نفعا أو أن يدفع عنا ضرا، إلا ما كتبه الله لنا، فلا نستكين لأقوال القائلين، ولا نخضع لأهواء الناس، وإنما علينا أن نتمسك بثوابت كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نحذر من تأويل المتأولين، ويجب أن نتمسك بما أجمع عليه علماؤنا، وبما دلت عليه القطعيات من نصوص القرآن والسنة، فلا يملك أحد أن يحل أو يحرم شيئا، وإلى هذا يرشدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهوَ حَرَامٌ ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَه» ثم تلا قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيَّا( الحاكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
إن تعظيم معية الله في قلب المؤمن (المؤمنة) وتقوية معنوياته الروحية بها تحجبه من اتباع الخرفات، وتحفظه من استغلال المستغلين، إننا نرى إخواننا وأخواتنا الذين ابتلوا بأمراض في ابدانهم وأنفسهم، كيف يكون عرضة للإستغلال من قبل الراقون، كما أنهم ضحايا حالتهم المؤلمة وجهلهم. إن الطب المتقدم يعجز عن تشخيص بعض الأمراض النادرة، ولنفس الحالة تجد هؤلاء يشخصون ما عجزعنه الطب المتقدم بأنه مس من الجن أو ضرب من العين أو السحر. من خلال خلفية ثقافة المرضى وأوليائهم يصدقون بكل ما يقوله هولاء الجهلة. لكن من ملأ قلبه بمعية الله وقدرته على الشفاء لن يجد هؤلاء المستغلون طريقهم إلى قلوب المؤمنين والمؤمنات. إن ديننا الحنيف يحث على التطبيب، ويحث على الرقية، الرقية دورها مهم في تقوية القوة الروحانية. أنت أيها المسلم وأيتها المسلم تستطيع أن ترقي نفسك وأولادك وزوجك، ولابأس أن تطلب رجلا أو امرأة ترى فيه الصلاح ولم يتخذ الرقية وسيلة لإسترزاق أن يرقيك. معشر الإخوة والأخوات: إن ثقافتنا الطبية تحتاج إلى تصحيح وتثقيف جديد، وإن ثقافتنا الطبية مليئة بكثير من المعتقدات الخاطئة، وفي كثير من الأحوال تتصادم مع عقيدتنا الإسلامية. فياليت يراعي كل مسلم في خلواته نظرة الله تعالى إليه، فلا يفعل ما يبغض الله تعالى، بل عليه أن يجعل حياته صافية طاهرة ترضي الله تعالى. فكلما ازدادت معرفة المسلم بالله تعالى ازداد يقينه فيه، وكلما ضعفت معرفته به أصبح ضحية أقوال القائلين، وفريسة المستغلين الجاهلين، فمنوط بنا أن نزرع في قلوبنا هذه المعاني الإيمانية العميقة، وأن نبني عليها سلوكنا في حياتنا اليومية. يقول الله تعالى على لسان سيدنا ابراهيم عليه السلام: «الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ 78 وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ 79 وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 80 وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ 81 وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ 82 رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 83» الشعراء.