الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
تؤثر الأعراض الصحية، والمشاكل الإجتماعية على نفسية الإنسان. فقد يصاب المرء من جراء ذلك بصدمات نفسية خطيرة. إن ضغوط الحياة تستلزم في كثير من الأحيان إلى دعم روحي. حيث تسمو الروحانية بالنفس الإنسانية فوق الغرائز الدنيوية إلى آفاق واسعة من الإيمان وفضائل الأعمال. يُمَكِن الإيمان بالله تعالى الإنسان بالشعور بالإطمئنان، ويساعده على تخطي الأزمات. «قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا»الأنعام: 104. يهدف الدعم الروحي إلى تحرير الإنسان من مشاعره، وأفكاره السلبية، وتعزيز مشاعره وأفكاره الإجابية. المتأمل في معان الكلمات القرآنية الواردة على لسان سيدنا إبراهيم عليه وسلم في قوله تعالى:« الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» الشعراء: 78ـ 79، يجد أن سيدنا ابراهيم عليه السلام يعلمنا كيف نلتجئ بمشاعرنا النفسية والعاطفية المعقدة إلى الله تعالى. أبرز هذه المشاعر القلق المفرط،، و الألم العاطفي، والتشتت الفكري،. إن العلاج الدوائي لا يحقق وحده الشفاء المطلوب إذا أهمل في العمق المعاناة النفسية. حيث إن الألم وما يصاحبه من مشاعر إنفعالية هي مكدسة في خلجات النفس، في هذه الحالة يكون الإنسان بحاجة إلى دعم معنوي للوصول للإستقرار النفسي.
لقد اثبت التجربة أن الدعم الروحي يساهم في تخفيف التذمر النفسي، وفي تنمية مشاعر الثقة بالله سبحانه وتعالى وبالنفس. حيث إن مشاعر الثقة تجعل الإنسان يتصور النتائج الإيجابية التي سيمنحها الله تعالى له. نقرأ في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» يونس: 107. فالضر والخير نتيجة لازمة لسنة الله الجارية على من تعرض لأسبابهما. من خلال الصلة بالله تعالى يتم إزالة شعور الضعف والوهن العاطفي. حيث إن إهمال الإنتماء الديني والإجتماعي يُنتج صراعا نفسيا، وتوترا فكريا. يعد الإنتماء الديني والإجتماعي من أهم مصادر رفع معنويات الإنسان. وهي بدورها تساهم في تقوية جهاز المناعة. إن للإنسان امكانيات ذاتية للشفاء من الأمراض النفسية والعضوية. فالدعم الروحي يرتبط بالمعاني السامية التي مصدرها الإيمان بوجود شيء أكبر من كل شيء، وهو قولنا الله أكبر. يكرر المسلم والمسلمة هذه الكلمة عشرات مرات في اليوم، . «ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» الأنعام: 102. كما نعلم أن نفس الإنسانية تتكون من روح وجسم. فالروح هي الأساس التي تتحكم في سلامة الجسد. يقول أبو بكر محمد بن يحيى الرازي (864 ـ 923 م) رحمه الله تعالى: «إن مزاج الجسد تابع لأحوال النفس، ولا شك أن سلامة الجسم من دواعي سلامة الروح».
إن إسباغ الوضوء، وإقامة الصلاة، والتضرع إلى الله بالدعاء، وقراءة القرآن يرتبط ارتباطا وثيقا بسلامة الروح. «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» يونس:57. تهدف هذه الآية الكريمة وغيرها إلى تعزيز عافيتنا النفسية والجسدية. يحتوي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على أسمى صور الدعم الروحي للفرد والمجتمع على السواء. إن للروحانيات من قوة التأثير الإيجابي على مشاعر الإنسان وفكره وسلوكه، مما يؤدي إلى حيوية روحه وجسده. يساعدنا القرآن الكريم في التغلب على مخاوفنأ، ويبشرنا برحمته تعالى في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» يونس: 62-64. إن المحافظة على أداء الصلاة خمس مرات في اليوم تمنحنا حالة من الإسترخاء، والهدوء النفسي، مما يعزز بشكل كبير في تخفيف التوتر العصبي، والإضطرابات النفسية والبدنية. تغذينا أداء الصلاة روحيا، وتعزز شعورنا بالسلام الداخلي، فتخلصنا من الطاقة السلبية. يحكم أبعاد عالم الغيب مجالات حياتنا اليومية، ويمنحنا الإستقرار النفسي. حيث سيظل الدعم الروحي الغيبي درعا حصينا لكل من يبحث عن ملجأ من تقلبات الحياة وصخب ضغوطاتها اليومية، مما يتيح للفرد أن يجد توازنا في حياته دون تضجر أو سخط. إن كثيرأ من الناس يعتبرون الدين هو محور حياتهم، والعمود الفقري لوجودهم. لذلك تقتضي الممارسة الطبية مراعات القيم التي يتشبث بها المريض، والتصورات التي ينظم على أساسه حياته. فإن ذلك سيعزز ثقتك بنفسه ويمنحه القدرة على الإنفتاح بشكل أكبر. إذا كانت الرعاية الطبية بشكل عام هي تلبية احتياجات الناس الجسدية، فإن الرعاية الروحية هي تلبية حاجتهم العميقة. يقول ابن الجوزي (1116م – 1201م) رحمه الله تعالى: إن الطب الأبدان إصلاح الصور، وطب النفوس إصلاح المعاني.