الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
شاع في زماننا مظاهر التدين، لكن يؤسفنا أن نرى في ممارساتنا اليومية تناقضا بين مظهرنا وسلوكنا. تجد في مجتمعاتنا من يصلي ويصوم ويعفي اللحية ومن تلبس الحجاب، لكن تجد أيضا يمارس الغش، ويقطع الأرحام، وينتهك حقوق الآخرين، كل ذلك يرتكب أحيانا تحت ستار التدين. يستحسن لكل مسلم أن يتساءل عن كم مرة يناقض مظهره مع سلوكه، وكم من مرة تعارض سلوكه مع مبادئ القرآن الكريم ومقاصده. يظل السلوك الكاشف الحقيقي للوجوه المتوارية خلف مظهر التدين البراق. لقد ابتليت مجتمعاتنا الإسلامية بالتناقض على المستوى الديني والإجتماعي والسياسي. كأن الإسلام مجرد شعارات ومظاهر جوفاء، وكأن المسجد فقدت رسالتها الربانية، وأصبح التدين تدينا شكليا لا روحيا. إن مآل سلوك التناقض السقوط دينيا وأخلاقيا واجتماعيا. إن الإسلام دين يجمع بين القول والعمل، وبين الظاهر والباطن، لا مجرد القيام بالشعائر، وتعطيل مقاصدها. إن الأصل في عبادة الله تعالى تقويم سلوكنا، وتعزيز علاقتنا مع محيطنا. يشع التدين الصحيح بالقيم الجمالية، وجمالية التدين لا تنفصم عن السلوك. تنبع القيم الجمالية من الوجدان الذي يحتوي على نور الإيمان بالله تعالى ومعاني العبادات التي أمر الله بها. بأنوار عقيدة القرآن الكريم وثمرة العبادة الخالصة لله تعالى يتغذى روح المسلم، وتتشكل عقليته. تشع الصلاة قيما روحية سامية، وقيما حضارية متميزة. قال الله تعالى: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» العنكبوت: 45.
إن سلوكنا اليومي هو ميزان لثمرة تعبدنا لله تعالى. إن حسن سلوكنا يعني حسن عبادتنا، وإن فساد أخلاقنا يعني فساد عبادتنا. قال الله تعالى: « إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ» الإسراء: 7. يتكون واقع مجتمعاتنا الإسلامية من ناس من يوافق مظهره سلوكه، كما كان حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. بحسن المعاملة نشر صحابة رسول الله دين الإسلام في العالم. كما تتكون أيضا مجتمعاتنا من ناس يظهرون في صورة الصالحين، ويفعلون أفعال الطالحين. «خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» التوبة: 102. إن من أسوء مظاهر التدين أن يقف الإنسان بين يدي ربه مصليا ومناجيا لكنه للعباد مؤذيا. نتيجة سوء التدين سبب في إراقة كثير من الدماء، وإضاعة جل حقوق الآخرين، وانتهاك أعراض الأبرياء. فالعباة بلا حسن المعاملة لا قيمة لها في ميزان الله تعالى. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» أحمد. يتجلى في كل عبادة مظهر من مظاهر حسن الخلق. لا يقتصر السلوك الحسن مع الإنسان فحسب، بل إحسانك إلى الحيوان، وحفاظك على الطبيعة هي أيضا من مقاصد التعبد. اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم اعتراض سلوك الفرد لمقاصد العبادة افلاسا. انظروا معشر الإخوة والأخوات إلى سوء عاقبة سوء الخلق. قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ . فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» مسلم.