الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
إن من مستجدات عصرنا ما يسمى بوسائل التواصل الإجتماعي التي اقتحمت كل بيت وإن أغلقت أبوابها، وغيرت مجرى العلاقات بين الناس، حتى أصبحت للبعض وسيلة للتقاطع وليست للتواصل. لاشك أن لوسائل التواصل الإجتماعي إيجابيات كثيرة. فلقد سهلت التواصل بين الناس، وقربت المسافات فيما بينهم، إنها نعمة عظيمة حينما نوظفها توظيفا نافعا، ونقمة إذا لم نضبطها بالضوابط الشرعية والأخلاقية. إن للتواصل الإجتماعي أيضا سلبيات فهي اصبحت تسبب لكثير من الناس التوتر والقلق والياس، وأصبحت تسيطر على مشاعر وأفكار كثير من أبناء المجتمع. لقد أصبحت المرجع الأساسي لكثير من عوام الناس. أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي كوابيس، تضلل من يتجاهل مستواه الثقافي والعلمي. يمثل يوتوب وجوجل أكاديمية جديدة، أكاديمية التضليل، أكاديمية مفتوحة الأبواب على مصاريعها دون توجيه أو تأهيل مدرسي، ودون أن يكون للمنخرط فيها القدرة الفكرية على توظيف الأساليب المنهجية. يتخرج من أكاديمية يوتوب ناس يتحدثون في أمور خطيرة بمنتهى السهولة. يتحلى هؤلاء بقدر من الجرأة المتهورة، وازدراء غير معقول للمخاطر، لدرجة أن جرأتهم هذه تسبب أضرارا صحية واجتماعية لكثير من الناس، جاهلين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» الحاكم. وخير مثال في هذا الصدد تعامل بعض الناس مع طاعون كورونا والتقليل من خطره، حتى أن بعضهم أرهبوا الناس من أخذ التلقيح. والله عز وجل يحذرنا أن نتجرأ ونتحدث فيما ليس من اختصاصنا. يقول سبحانه «وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ » النحل 116. إن المتخصص سواء كان فقيها أو فيلسوفا، طبيبا كان أو فلكيا يقضي جل عمرهم في تعلم أصول علم تخصصه وقواعده وضوابطه الأخلاقية. لا يعد الإنسان متخصصا في علم معين حتى يؤهل في مدارس ومراكز علمية. يقتحم كثير من الطفيليين في زمن اليوتوب مسائل الفقه أو الطب أوالسياسة بمجرد استماع بعض الفديوهات اليوتوب. إن الحديث في منافع وأضرار تلقيح كورونا من قبل شخص لم يدرس الطب، عبث بحياة الناس التي حرم الله عز وجل العبث بها. نهانا الله وعز وجل أن نخوض في مسائل ليست من اختصاصنا، حيث قال: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا» الإسراء: 36. إن مفسدة نصيحة غير مختص أكبر من منفعتها المحتملة. إن تقديم النصائح الطبية من اختصاص الطبيب المتمرن على مهنة الطب، والقادر على تشخيص حالة المرضى. إن إلحاق الضرر بحياة الناس بسسب عدم الكفائة جريمة وإن كان بحسن قصد. قال ابن عباس رضي الله عنه: «أَصَابَ رَجُلاً جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ» أبو داود. لأجل حماية حياة الناس نهى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ممارسة الطب أو تقديم نصائح طبية من غير أهله. قال عليه الصلاة و السلام: «مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا، فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» بلوغ المرام. لقد تحدثت إلى العديد من إخواننا وأخواتنا الذين تأثروا بالقصص السلبية عن التطعيم. بعد مرض الكورونا الرهيب ندموا كثيرا، وذرفت أعينهم دموعا من شدة معاناتهم. إن الجرأة على الخوض في أمور لم نقضي أعمارنا في تعلم مبادئها سواء كانت مواضيع فقهية أوطبية أوسياسية تؤدي إلى أضرار صحية واجتماعية. فمن أراد أن يتعلم الفقه أو الطب أو السياسة فعليه أن يدق على أبواب مراكز العلم. في هذا السياق قال سيدنا محنمد صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» مسلم.