الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
يهتم دين الإسلام بالإنسان من جميع جوانبه البدنية والنفسية والعقلية. حيث إن صحة الإنسان أساس تحقيق معنى الوجود، وهي أيضا أساس أداء العبادات وفعل الفضائل والخيرات. تتطلب صحة الإنسان الرعاية والوقاية. مصداقا لقول النبي ﷺ: «وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» مسلم. تتأثر صحتنا النفسية والبدنية بالعوامل المحيطة بها، سواء كانت تلك العوامل إجتماعية أو طبيعية. من أجل الجسم السليم، والنفس السوية شرع الإسلام الآدابَ الصحيةَ والوسائلَ الوقائية. في هذا السياق قال سيدنا محمد ﷺ: « غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» مسلم. إن طهارة البدن والملبس والمكان والبيئة لها أهميتها الكبيرة في الوقاية من الأوبئة، وسائر الأمراض. قال الله تعالى: «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ» المائدة: 6. وقال تعالى: «وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ» المدثر: 4. لأهمية الطهارة في حياة الإنسان جعلها الله سبحانه وتعالى من أصول العبادة. إن الإنسان عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والبدنية. لذلك أرشدنا النبي ﷺ بقوله: «سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ» الترمذي. النظام الغذائي وممارسة المشي واستفراغ المواد الفاسدة من الجسم هي أساس صحتنا. قال سيدنا محمد ﷺ: «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ» الترميذي. يعتبر العلاج الطبي في العديد من حالات اضطرابات الأعضاء الحيوية أمرا مهما. تشمل خطة العلاج على العناية الطبية، والإرشاد الروحي، والثقة في الرعاية الصحية. بذلك وبفضل الله تعالى يتعافى المريض بصورة جيدة من أعراض المرض. بخصوص التداوي قال سيدنا محمد ﷺ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » مسلم. يؤكد الحديث النبوي على مشروعية التداوي، وأنه من الأسباب التي تحفظ النفس التي هي أحد المقاصد الإسلامية الكلية، وإن العناية بصحة البدن والنفس والعقل من لوازم الإيمان. فالسؤال الذي ليس بالأمر السهل الإجابة عليه، ما حكم التداوي في الإسلام؟ يختلف حكم التداوي باختلاف أحوال المريض، ونتائج التطبيب. يجد الدارس للأراء الفقهية أن التداوي قد يكون واجبا، وخاصة في حالة تنقل ضرر المرض إلى الآخرين، كالأمراض المعدية، أو في حالة أن المرض يؤدي إلى أزمة صحية أو اجتماعية. والله عز وجل يقول: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» البقرة: 195. ولقوله ﷺ: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» ابن ماجه. وفي حالة قد يكون التداوي مباح، وخير ما يستدل به على إباحته هي قصة المرأة المصابة بمرض الصرع، التي قالت للنبي ﷺ «إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ؟ فَقَالَتْ أَصْبِرُ. فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا» مسلم. وفي حالة أخرى قد يكون التداوي مكروها، وخاصة إذا كان يُنتظر منه مضاعفات غير محمودة ، أو كان التداوي موهوم النفع. واحتج البعض على مكروهية التداوي بقول سيدنا محمد ﷺ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ. قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» مسلم. كتب الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي في كتابه المشهور إحياء علوم الدين: إن لترك التداوي أسبابا؛ الأول: أن يكون المريض من المكاشفين، وقد كوشف بأنه انتهى أجله، وأن الدواء لا ينفغه. السبب الثاني: أن تكون العلة مزمنة والدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى علته موهوم النفع. إن الرعاية الصحية في كثير من الحالات لها دورها الفعال في صحة الأبدان، ومكافحة الأمراض، لكن في حالات أخرى قد يكون الأجل قضى أمره. قال الله تعالى: «فإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ» النحل: 61. وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قيل له: «لو ندعوا لك طبيبا؟ فقال: الطبيب نظر إلي، وقال: إني فعال لما أريد» احياء علوم الدين. تقتضي العقيدة الإسلامية الأخذ بأسباب التداوي المتاحة، والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء، والرضا بالقدر، والإعتقاد بقوله تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ » البقرة: 216