الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
جعل الله تعالى علاقة الزواج علاقة مقدسة، ورباط متين، وحسب تعبير القرآن الكريم فهو ميثاق غليظ. قال الله تعالى: « وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» النساء: 21. قد فسر الميثاق الغليظ بالعهد الوفاء والأمانة في العلاقة الزوجية، وهذا مصداقا لقول سيدنا محمد ﷺ: « فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ» مسلم. لقد أحاط الله تعالى الحياة الزوجية بسياج المودة والرحمة والوفاء. قال الله تعالى: « وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً»الروم: 21. يخبرنا الله تعالى إن الحياة الزوجية سكن للقلب وتغذية للروح، بما تحمله في طياتها من معاني الحياة الجميلة الراقية، وبما تسريه من مشاعر الأمن والرضا والقبول. إن من نعم الله تعالى أن يعيش الزوجين حياة عفيفة طاهرة، يشعر كل واحد منهما في أحضان الأسرة بالأمن والتوافق النفسي. ما أجمل العاطفة والمودة في الحياة الزوجية، وما أجمل إذا اجتهد كل من الزوج والزوجة في إشباع بعضهما البعض عطفا وحنانا. ليس هناك مشهد أكثر تأثيرا في الزوجة أوالزوج من نظرات الحب والوفاء التي يتبادلها فيما بينهما. المودة والرحمة هما الروح الذي يملأ البيوت نورا ويتوهجها دفئا.
لقد أحاط الإسلام العلاقة بين الزوجين بسياج عاطفي أمين وقوي. الإشباع العاطفي والحسي بين الزوجين هو الهدف الأول والأساسي لبيت الزوجية. لذلك اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الإشباع العاطفي قطب رحى للبيت الزوجية التي تقوي علاقتنا الزوجية، وتغرس جذورها في المجتمع. قال سيدنا محمد ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» البخاري. ينقسم الإشباع العاطفي إلى قسمين: الأول: اشباع العاطفة القلبية بالحب والحنان والمودة والرحمة، والثاني: إشباع الغريزة الحميمية. إن الأمن العاطفي حاجة من أكبر حاجاتنا في هذه الحياة، فهي لا تقل أهمية عن الحاجة إلى الطعام والشراب والملبس والنوم. فقول سيدنا محمد ﷺ: «آمِن فِي سِرْبِهِ»؛ أي في أهله وبيته. البيت الزوجية الحقيقي هو البيت الذي تحتضنه روح المودة والرحمة. إن الرحمة صفة يظهر أثرها في صورة الإحسان، وحسن المعاملة. وإن المودة وشيجة الإرتباط الوثيق الذي يحمي الأسرة من غوائل الصراع والتفكك. قال سيدنا محمد ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» أبو داود.
نقرأ في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى شبه العلاقة الزوجية باللباس الذي يمنحنا الدفء والجمال والأناقة. قال الله تعالى: «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» البقرة: 187. إن الجفاف العاطفي يحس النفس بالحرمان، ويشعرها بعدم الإهتمام، حين لا نجد في البيت الزوجية الحنان والحب، ولا نحس فيه بقيمتنا الذاتية، تكون نتيجة ذلك توتر العلاقات، ومضاعفة الفشل الأسري. إن الجفاف العاطفي من المشكلات النفسية والإجتماعية الذي تعاني منه أسرنا، ومجتمعاتنا. يُشعر الجفاف العاطفي الإنسان بالغربة وسط معارفه، أو معارفها، والوحشة في البيت الزوجية. إن الجفاف العاطفي حالة خطيرة على أسرنا وهي من أهم الأسباب في تمزيق أسرنا، وهدم بيوتنا الزوجية. وهي من الأسباب التي تدفع الأزواج للبحث عن الإشباع العاطفي خارج البيت الزوجية، وربط علاقات سرية شرعية أو غير شرعية. علينا جميعا رجالا ونساء أن نحمي أسرنا من الجفاف العاطفي. إن الحب والحنان والإحتضان الذي نعيشه في حياتنا الزوجية الحميمية هي من أهم العوامل التي تحمي سفينة أسرنا من عواصف التشتت، وتجعلها تبحر بكل أمان.