الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
ان الإحترام اساس نجاح اي علاقة اسرية أو اجتماعية. فبدونه لايمكن ان تتحقق دورة الاخذ والعطاء. والإحترام من أسس ديننا الحنيف، ومن دعائم النهضة الإنسانية. ويجب تنشئة الاجيال وتربيتهم على تطبيقه في جميع معاملاتهم ومع كل الاجناس. كذلك الاحترام بين الزوجين هو أساس مهم في سعادة حياتهما الزوجية. فإن الحياة بدون الإحترام، تكون في كثير من الأحيان شبه مستحيلا ، لأن الانسان لايشعر بإنسانيته الا اذا حظي بالإحترام والتقدير. وبإمكان كل انسان فرض احترامه على من حوله من خلال تطبيق مبدأ الاحترام على نفسه اولا واحترام غيره ثانيا. ولقد أحسن من قال: « عامل الناس كما تحب ان تعامل، إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها، ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها». إن صاحب خلق الاحترام يحترم انسانية الانسان، كيفما كان حاله أو جنسه أو معتقده. وتأملوا معي معشر الإخوة والأخوات سورة الكافرون. قال الله تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ 1 لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ 2 وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 3 وختم الله السورة بقوله: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِالكافرون. أرسى القرآن الكريم قواعد واضحة للاعتراف بالآخر وبوجهة نظره احتراما لمبدأ حرية الاختيار، والتزاما بقاعدة عدم الإكراه في الدين. يدعوا الاسلام الى احترام النفس الإنسانية حية أو ميتة، مسلمة كانت أو غير مسلمة. روى الإمام مسلم: « أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ ، وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ، كَانَا بِالْقَادِسِيَّةِ ، فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَقَامَا ، فَقِيلَ لَهُمَا : إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ، فَقَالا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ يَهُودِيٌّ ، فَقَالَ : ” أَلَيْسَتْ نَفْسًا». يعلمنا الإسلام أن ننزل الناس منازلهم، وأن نحفظ كرامتهم الإنسانية، كما يجب أن نعترف بقدر ومكانة كل انسان في قومهم. فالتوجيهات النبوية في هذا الموضوع كثيرة. أخرج ابن ماجه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ » و في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إنَّ مِن إجلالِ الله إكرامَ ذي الشَّيبةِ من المسلمين وحامِلِ القرآن غيرِ الغالي فيه والجافي عنه وذي السلطانِ المقسِط »
معشر الإخوة والأخوات:
ومن حسن خصال المسلم احترامه لمن له الفضل عليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينس فضل بعض المشركين وما كان لهم من دور في الذب عنه وعن دعوته. لذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكافأة من أحسن إلينا، ولو بالكلمة الطيبة. إن الكلمة الطيبة تفتح القلوب، وتزيل القلق، وتبني مجتمعا متماسكا. قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ » أبو داود. وأدنى ما نكافئ به المحسن الوقار والإحترام. والإنسان بطبعه يحب أن يقابل بالاحترام والإكرام،. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا ويرفع مكانتنا في الدنيا والآخرة. كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه الى السماء ويقول: « اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا» الترمذي. إن مبدأ الإحترام عنصر أساسي في بناء المجتمع الناجح، فأي مجتمع لا يتبادل أهله خلق الاحترام والتوقير ينهزم اجتماعيا واقتصاديا. و«بِحَسْب امْرِئٍ مُسْلِمٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» مسلم. جعل الإحترامُ النبيَ صلى الله عليه وسلم يخاطب هرقل بـعظيم الروم. وكثيرا ما يحتاج الناس الى التعارف والتعامل بالاحترام لمصلحة توفير الجهود، وتأليف القلوب، وإزالة الدخن. تقوم علاقة الناس في القرآن الكريم على أساس التعارف والإعتراف بالآخر. قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات: 13. فإذا ما تحقق التعارف والاحترام بين الناس، ساد فيهم جو من الطمأنينة والهدوء، وانعكست بالاستقرار على كل فرد فيها، وشعر الجميع بجو مريح هادئ، يزرع فيهم الحب والوئام.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
إن الاستغناء عن مسئلة الناس فضيلة عظيمة، وتؤكد أيضا على احترام الفرد لنفسه ، وإن ترسيخ تلك الفضيلة في نفوس الصغار من مسؤوليات الأسرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» ابن ماجه. يحصل في العلاقات بين أفراد المجتمع الخطأ، فيخطئ بعضهم في حق البعض، ومما يبعث على احترام المرء اعترافه بخطئه، واعتذاره عما صدر منه، ويقابل المسيئ اليه ذلك بالتسامح والعفو. والهدف من التسامح جعل العلاقات صافية ووثيقة، حيث أن التسامح نوع من الكرم والشهامة التي ينبغي أن يتخلق بها كل مسلم ومسلمة. قال تعالى وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَآل عمران 134 . أمر الله تعالى المسلمين والمسلمات بالصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة. والحقيقة أن من طبيعة الإنسان المحترم، أنه يمنح الاحترام لكل إنسان. وإن أفراد المجتمع ليسوا قالباً واحداً في الآراء والقناعات. فلذلك يجب احترام ذات الإنسان بوصفه إنساناً، فالله عز وجل كرّم الإنسان وأسجد لأبينا آدم ملائكته بعد أن نفخ فيه الروح. قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً 70/17 . لذلك يجب احترام خصوصيات الإنسان، واحترام رأيه وذوقه واختياراته.