الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
إن من القيم العظيمة التي يحث عليها ديننا الحنيف هو الشعور بالمسؤولية تجاه الله سبحانه وتعالى، وتجاه الخلق. إن المسؤولية صفة لازمة للإنسان الواعي العاقل. فكل إنسان له مسؤوليات موكل بتدبيرها ورعايتها، لذلك يرغب القرآن الكريم المسلمين إلى القيام بواجباتهم الدينية والدنيوية على أكمل وجه، ويرشدهم إلى عدم نقص شيئ من حقوق الآخرين. «وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» هود: 85. ينبغي لكل مرب أن يعمل على تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الناشئة. حيث أن للأسرة دور كبير في بناء مجتمع يشعر أفراده بالمسؤولية. يتم ذلك من خلال تربية الناشئة على احترام حقوق الآخرين، والحفاظ على البيئة، والممتلكات العامة، ومن خلال أيضا منحهم الفرصة لأداء بعض المسؤوليات، ومساعدتهم على أدائها. جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمسؤولية مقومات: الأول الرعاية بكل معانيه من حفظ الأمانة وصيانتها، ومعاملة الناس بالحسنى، وحفظ كرامتهم. فالمسؤولية في إسلامنا تكليف لا تشريف. «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» البخاري. المقوم الثاني المحاسبة: هي عبارة عن أسلوب تقييم أداء المسؤولين من حيث مدى إلتزامهم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم، وحقوق الآخرين. إن الموظف مسؤول على عمله، ورئيس فرقة العمل مسؤول عن رعاية حقوق الشركة، وحقوق العمال. «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» الحجر: 92-93. المقوم الثالث للمسؤولية الإتقان: لقد حث الإسلام على الإتقان، والتحري الدقة في العمل. « وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» التوبة: 105. يؤكد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الإتقان وإحسان العمل بقوله: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ» البيهقي. إن العمل في الإسلام نوع من العبادات التي يؤجر عليها الإنسان إذا خلصت فيه النية لله تعالى، وأدائه بإتقان وأمانة. ويؤكد على هذا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» مسلم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
إن الشعور بالمسؤولية خلق نبيل، يدفع الإنسان إلى الجد واالعمل، والإعتماد على النفس. يجعل الشعور بالمسؤولية الإنسان قادرا على تحقيق مقاصده وطموحاته. ويجعله ذو هدف في الحياة، يعي دوره وموقعه فيها. كما أن الشعور بالمسؤولية أساس نجاح الإنسان في مشروعاته الدنيوية والأخروية. إن المسؤولية أمانة في عنق من تحملها، وليست امتيازا شخصيا له. فليس لمن تولى أي مسؤولية أن يتصرف في إمكانات وظيفته، ولا أن يتعاطى مع من يترأسهم على أساس شخصي. «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» الأحزاب: 72. إن الشعور بالمسؤولية واجب على كل من تقلد وظيفة عامة أو خاصة، فالرئيس والعامل والموظف والأستاذ كل مسؤول على أداء عمله بإتقان وأمانة، والوالدين مسؤولان عن بيتهما ورعاية أبنائهما رعاية سليمة. فقد نظم الإسلام العلاقة بين العامل ورئيس العمل، وجعل لكل واحد منهما حقوقا وواجبات. حرم الإسلام استغلال المرء نفوذ وظيفته لتحقيق منفعته على حساب مصلحة الآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» البخاري. إن المقومات الأساسية في نهضة المجتمعات، ودعائم تشييد الحضارات تكمن في الشعور بالمسؤولية. وبهذا يكون نجاح كل ما يتحمله الإنسان من وظائف مرهونا بمقدار ما تسلح به من الشعور بالمسؤولية. فالإنسان مسؤول عن تصرفاته وأعماله تجاه ربه وتجاه المخلوقات. إن المبادئ الإسلامية تُلزم المسلم والمسلمة بالوفاء بما تعاهد عليه، وإخلاص دائب في أداء الواجب، وإحياء الضمير في مراقبة الله تعالى. بالإخلاص والضمير الحي يسود الخير وتتقدم المجتمعات. قال الله تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» النحل: 91. إن غياب الشعور بالمسؤولية سلوك سيء، له آثار سلبية على المجتمع سواء من الناحية الفكرية، أو الإجتماعية، أو الإقتصادية. إن غياب الشعور بالمسؤولية تؤدي إلى انشار أكياس الزبالة والقاذورات بشكل عشوائي في بعض الأحياء السكنية، كما تؤدي ثقافة اللامبالات إلى تخريب المرافق العامة. إن تشیید وحماية المرافق العامة نوع من أنواع عمارة الأرض وإصلاحھا، وهي من أھم مسؤولیات الإنسان. قال الله تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» الأعراف: 85.