الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد الله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وجعل له السمع والبصر والجنان سبحانه أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلانية، فهي أساس الفضائل، وحصن المحامد، «واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»
إِنّ واقع الحياة في هذا الزمان المعاصر، وكثرة همومها، تجعل الإِنسان بحاجة ماسّة إِلى ما يُحقِّق لَه التّوازن والإستقرار في حياته، ويحفظه من الاضطرابات النَّفْسيَّة. إن الإضطرابات النفسية تدفع الإنسان أحيانا إِلى البحث عن السكينة والطمأنينة في غير محلها. ولربما اتجه الإنسان إلى وسائل تهدم معنوياته الصحية والنفسية، كالمخدرات والخمر والفساد الخلقي. تجد المرأ يتنقل من مفسدة إلى أخرى لعله يجد لنفسه متنفسا وراحة، لكن للأسف تجده ينتقل من رذيلة إلى أخرى ومن سوء إلى أسوأ،. إن الإنسان قد تلم به بعض الملمات و قد تصيبه بعض المصائب التي تُكدر صفو حياته، وربما جلبت له الكثير من الحزن والهم والغم. قال أهل الإختصاص: الحزن هو التألم على حصول المكروه في الماضي، والهم هو توقع حصول الشر في المستقبل، والغم هو الألم الذي يصيب الإنسان بسبب واقعه الأليم. الحزن والهم والغم كلها آلام تتعب الإنسان نفسيا وتُؤرقه جسديا وتُكدر صفو حياته. إن الله خلق نفسية الإنسان وعالم بما يُصلحها وينفعها. يجد الإنسان في تشريعات الإسلام كل ما يحقق له الطمأنينة والسكينة. يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يونس: 75. إن تلاوة القرآن وتدبرمعانيه علاج ووقاية لكثير من الأمراض النفسية، وتححق التوازن في شخصية الإنسان، وتقيه الأزمات النفسية. إن عبادة الله سبحانه وتعالى لها فوائد نفسية ملموسة، بالعبادة تغشى الإنسان السكينة فتهدأ أعصابه ويزول عنه القلق والتوتر.
يصف الله سبحانه النفس البشرية بالهلع والجزع والبخل، ويدل القرآن الكريم الإنسان على العلاج الكافي، والدواء الشافي. يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ المعارج 1923-. فالهلع والجزع ومنع الخير صفات لنفس الإنسان. بفضل الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام، فهي أيضا وسيلة تكسوا نفس الإنسان الطمأنينة والسكينة. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ضاق به الأمر لجأ الى الصلاة. وإليكم معشر الإخوة والأخوات أحد التوجيهات النبوية في علاج بعض الأمراض النفسية. «دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ : أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ: قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى، وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى» أبو داود. تأملوا معي رحمكم الله هذه الوسيلة التي سلكها الصحابي لكشف عنه همه، حيث التجأ إلى بيت الله، إلتجأ إلى الله تعالى، ولم يلتجأ الى الشعوذة، ولا إلى أولائك الذين يزعمون أن لديهم علاجا لكل الأمراض. وانظروا إلى التوجيه النبوي لم يقل له اذهب إلى الراقي، وإنما قال له « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ ….. » فدله النبي صلى الله عليه وسلم على العلاج الكافي. وهكذا ينبغي للمسلم عندما تضيق عليه الدنيا، ويصاب بمصيبة من مصائب الدنيا أن يتوجه إلى الله تعالى بالأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويسأله أن يكشف عنه غمه وهمه، ولا يلتجأ إلى أولئك الذين يستغلون المرضى، وذا الحاجة ماديا ومعنويا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
معشر الإخوة والأخوات:
لقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربط المسلمين بربهم في مختلف أحوالهم، وخصوصا في الأزمات. في حالة المرض أو اليأس أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يلتجئوا إلى الله تعالى، ويحتموا بحماه، ويستعيذوا بجلاله. قَال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» أحمد. وكان صلى الله عليه وسلم يدعوا عند الكرب بقوله: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» البخاري. فاستعينوا معشر الإخوة والأخوات بالدعاء على تقوية نفوسكم، وتثبيت عزيمتكم. وإن النفس المهزومة وتضعف العزم، وتوهن الجسد، وتفاءلوا بالخير، فإن التفاؤل من أعظم أسس الصحة النفسية. « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة » أحمد. فواجه أخي المسلم وأختي المسلمة واقعك بحكمة راشدة، وعزيمة قوية، وتسلح بالإيمان والتفكير الإيجابي. إن الشعور الإجابي يقيك اليأس والإكتئاب. يقول الله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ ابراهيم: 27.