البيئة النظيفة ضمان صحتنا

الحمد لله الذي خلق الخلق إظهارا لقدرته، وجعل الثواب اظهارا لإحسانه، والعفو عنوانا لرحمته. الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. واشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبَنا  وقرةَ أعينِنا محمَّدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبُه، بلغ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصح الأمّةَ وكشف الغمة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الطيبين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

معشر الإخوة والأخوات: أصيكم ونفسي بتقوى الله،«واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين»

 إن العافية مطلب كل انسان، وأمل كل عاقل، وغاية كل حي. يسعى الإنسان في الظاهر إلى حفظ صحته، لكن في الحقيقة هو أول من يدمرها، ويرتكب ما يعرقل حفظها وصيانتها. إن الإنسان يعيش ضمن بيئة من الهواء والماء والتراب، التي أسبغها الله تعالى عليه، ليتمتع بها، ويستفيد منها في حفظ صحته، واستمرار حياته. قال تعالى:  أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةًلقمان: 20. يا ترى فهل رعى الإنسان نعمة الهواء والماء والتراب حق الرعاية، وحافظ عليهم ليستفيد منهم في حياته؟ أم عبث بها وأساء إليها لتكون نقمة عليه، ووبالا على صحته. يستنشق الإنسان في كل ساعة كمية كبيرة من الهواء، عبر الرأتين ينتقل الأكسجين إلى كل خلية من خلايا الجسم، لحرق المواد الغذائية، وتوليد الطاقة. تلعب العناصر الغذائية السليمة من السموم دورا هاما في العديد من الوظائف الفسيولوجية اللازمة في حياة الإنسان. هيأ الله سبحانه وتعالى البحار والأشجار والنباتات مصافي لتصفية الهواء من الغازات الضارة. إن الإنسان لم يسعى إلى تخفيف التلوث من حوله، ولم يترك الوسائل الطبيعية تصفي الهواء من التلوث، وإنما بأنانيته وغريزة حبه للمادة سعى لتلويث الهواء بمداخن المصانع التي تنفث سمومها في الجو، وبإلقاء بالنفايات النووية، والنفايات المصانع والمنازل في البحار والأنهار، كما سعى الإنسان العاقل في تدمير الغابات بقطع الأشجار. إن حب المادة قد أعمت حتى أصبح يرى إلا مصلحته العاجلة، ولم يعد يفكر بما يحل بالإنسانية من بلاء ومحن نتيجة أنانيته. بسبب التلوث ارتفعت حرارة الأرض، بذلك ازداد الجفاف والتصحر، وكثر الأعاصير، وانتشر مرض السرطان، وازدادت نسبة الولدان المعوقين جسديا وعقليا. فكل انسان مسؤول عن حماية البيئة من التلوث، فاحمي أيها المسلم وأيتها المسلم هذا الكون الذي خلقه الله تعالى لنعمره من التلوث، ولا تحقرن من المعروف شيئا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» مسلم.

كما أن الإنسان لا يمكنه الإسنغناء عن الهواء النقي، لا يمكنه أيضا الإستغناء عن الماء الصالح للشرب، فالماء الطاهر عنصر هام في حياة الإنسان، وسلامة صحته، وهو يدخل في تركيب أنسجة جسم الإنسان. قال تعالى:أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَالأنبياء: 30. لم تسلم المياه هي أيضا من عبث الإنسان، فإنه يقذف بقمامته في البحار والأنهار والغابات، مما أدى إلى تلويث البيئة تلوثا شديدا، وانعكس تأثير التلوث على صحة الإنسان، وعلى حياة الحيوانات. لقد حرص الإسلام على وقاية مصادر الماء من التلوث حماية لصحة المجتمع. فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن رمي النجاسة في المياه والأماكن العامة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» مسلم، وفي حديث آخر قال: « اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ‏» أبو داود. والعنصر الثالث في نشأة الإنسان هو التراب، وهو في غاية الأهمية في حياته وصحته. قال الله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ الروم: 20. خلق الله الإنسان من التراب، وجعل طعامه ينبت في التراب، يتغذى النبات من التراب  ثم ينمو، فيأكل منه الإنسان والحيوان، كما يتغذى الإنسان أيضا من الحيوان الذي يتغذى من نبات الأرض، فالتراب هو منشأ الإنسان، وما ينبت في التراب مادة غذائه، ومنه تتألف عناصر جسمه وخلاياه. قال تعالى: وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ 33 وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ 34 لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ 35 يس. لكي تسلم صحتنا، وتقل الأمراض الفتاكة، لابد من سلامة التراب والماء والهواء من التلوث. فهل سلم التراب والغذاء من عبث الإنسان؟

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

يتألف طعام الإنسان من كربوهيدرات وبروتينات ودهون، فتمينات ومعادن، مع مقدار معين من الماء، وأصل هذه المواد هو التراب، لكن الإنسان بأنانيته، وبسلوكه اللامسؤول، راح يلوث تراب الأرض بالنفايات السامة والنووية. إن سلامة الغذاء هو قوام صحتنا، لأن للغذاء وظائف حيوية في جسم الإنسان، الأول: بالغذاء ينمو ويترعرع الجسم. الثاني: وبه تتولد الطاقة في الجسم، وبها يزود الجهاز التنفسي خلايا الجسم بالأكسجين، وينقي الدم من غاز ثاني أكسيد الكربون. الثالث: وبالغذاء يتقوى جهاز المناعة لمقاومة الجراثيم، والأمراض التي تحيط بالجسم. ولكي يتم ذلك على أحسن وجه يجب أن يكون الغذاء متوازيا كافيا ومنوعا. وبهذا أرشد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، حيث قال: «مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» الترمذي. إن كثيرا من الناس وقعوا في الترف، والسلوك الإستهلاكي، دون أن يفكروا في النتائج الوخيمة لهذا السلوك على صحتهم. أيها الإخوة والأخوات: كن حذرا من استعمال اللحم. فإنه قد نجح المدافعون عن الحيوان في اقناع المسؤولين في فرض قونين تلزم المجازر لصعق الحيوان قبل ذبحه، فينحبس فيه الدم بما يحويه من سموم وفضلات ومواد ضارة، فكثير من اللحوم التي نستهلكها هي من هذا النوع، فاحرص أيها المسلم وأيتها المسلمة ألا تكثر من اللحم، ولا تكثر من الطعام، فإن الطعام الزائد عن حاجة الجسم، يتحول إلى دهون تتراكم تحت الجلد، وفي مساريقا الأمعاء، وحول الأوعية الدموية، فيكون ذلك عند الشخص البدانة، وتؤدي البدانة إلى قائمة طويلة من الأمراض الصعبة، لذلك دعا الإسلام إلى الإعتدال في الطعام والشراب. قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَالأعراف: 31. وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يحذر من الإسراف بالطعام ويقول:  « إيَّاكم والبِطْنة في الطعام والشراب، فإنها مَفْسدةٌ للجسم، مورثةٌ للسقم، مَكْسَلةٌ عن الصلاة، وعليكم بالقَصْدِ فيهما، فإنَّهُ أصلحُ للجسدِ وأبعدُ عن السَّرَف » أبو نعيم.

المراجع:

الوقاية خير من العلاج تأليف الدكتور عبد الرزاق الكيلاني.                                             صحيح الإمام مسلم،  أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم.                                        سنن أبي داود، للإمام سليمان بن الأشعث بن اسحاق السجستاني.                                 جامع الإمام الترمذي. محمد بن عيسى الترمذي.                                                 الآداب الشرعية تأليف الإمام عبد الله محمد ابن مفلح المقدسي.                                     مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح تأليف الشيخ علي بن سلطان محمد القاري.

مقالات ذات صله

تريد البقاء على اطلاع حول أحدث مقالاتي؟

اشترك هنا في النشرة الإخبارية الشهرية